سأل صاحبه:"هل ثم بديل؟" رد صاحبه باستعباط: "ولماذا البديل؟"،
قال الأول: هل يعجبك ما نحن فيه؟
قال الثاني: لقد تعودنا عليه، كما تعودنا ألا يعجبنا، فأعجبنا التعود، وخلاص.
قال الأول: هذه خيانة.
قال الثاني: خيانة لمن؟
قال الأول: للشعب.
قال الثاني: "وكل من له نبي يصلي عليه".
قال الأول: يا لسخفك، إنه ليس من حقك أن تقرفنا بسخطك ليل نهار، وأنت تتفرج ساخرا بثقل دمك هذا والأمور تتدهور علانية بهذه الصورة البشعة المجرمة.
قال الثاني: السخط شيء مفيد لهضم الباذنجان المخلل.
قال الأول: الله يخيبك.
قالت له إني حامل، قال: "وأنا مالي؟"
قالت:"إنك أبوه".
قال:"إيش عرفك؟".
قالت: يا لك من سافل، فمن يمكن أن يكون أباه؟
قال: أنت الأدرى.
قالت: ماذا تقول يا مجنون؟ زواجنا شرعي، قانوني، وبعقد رسمي موثق دستوريا، ليس مثل هند وأحمد الفيشاوي.
قال: من حقي أن أمتنع عن تحليل الحامض النووي dna
قالت: وهل أن تطول أيها العنين العقيم؟ ثم أكملت لنفسها: "فماذا العمل الآن؟".
قال متطفلا: تجهضين نفسك، وفورا، قالت: هل تعلم في أي شهر أنا حامل؟
قال: لا يهمني، الحمل الزائف ليس له مدة، ولا نهاية، فردت: أنا حامل يا وغد من قبل أن تولد أمك، قال: الحمد لله، ضمنا أن يولد ميتا.
ما إن غادر المترو محطة سعد زغلول ودخل النفق حتى امتلأ الجو بغيامة منعشة صافية تنبعث منها رائحة عجيبة، جديدة، نفاذة، مدغدغة، منعشة، ناعمة، حية. انقشع ضباب الرائحة الرقيق فتكشف عن جزيرة صغيرة في وسط البحيرة يتلألأ حولها الماء بلون فضي ساحر، من وسط الجزيرة تماما ارتفع بار دائري جميل وحوله كراسيه المرتفعة خالية نداهة، رجل البار يلبس طاقية الإخفاء، فلا يراه إلا من يعرف شفرة المزاج، راح صاحبنا(أحد هؤلاء الذين ورد ذكرهم سالفا) يعب ويعب من يقدمه رجل البار الخفي، غير الصنف وضاعف الجرعات، وهو لا يستشعر أي تغيير، فسأل رجل البار محتجا: ما الحكاية؟
قال: حكاية ماذا يا سيدي؟
قال: هذا الخمر ليس له أي أثر؟
قال: رجل البار في أدب: أي أثر تعني يا سيدي؟
أجاب صاحبنا بغضب: ماذا تفعل هنا بالله عليك؟ ألا تعرف الآثار التي أسأل عنها، أليس هذا بارا؟ وهذه الخمور المعروفة عالميا، مستوردة من فرع وكالات حقوق الإنسان الذي افتتحته الولايات المتحدة الأمريكية في بغداد بموافقة ملتبسة من الأمم المتحدة؟
أجاب رجل البار بنعم "لكل ذلك" ثم أردف بهدوء: "إن خمرتنا يا سيدي قد خصصت للمطيعين الذين يسمعون الكلام كما ينبغي، لما ينبغين وهم لا يحتاجون تلك الآثار التي تتحدث عنها، فهم يشربونها نصف نائمين، فإن كانت خمرتنا لا تعجبك يا سيدي فيمكنك أن تبحث عن بار آخر".
تلفت الرجل حوله مغيظا وهو يتمتم: بار آخر؟ أين يا ابن الأبالسة بعد كل الذي كان؟ ثم أردف: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصل الغش إلى الخمور المستوردة. صعد الشيخ درويش عبد ربه من عمق البحيرة إلى سطحها بهدوء نشوان، وراح يسير على سطحها بانسياب غامض وقد تأبط ذراع نجيب محفوظ الذي كان يحمل تحت إبطه روايته"زقاق المدق" سأل محفوظ الشيخ درويش: أليس لكل شيء نهاية؟
قال الشيخ: بلى لكل شيء نهاية، ونهاية معناها بالإنجليزية end وتهجيتها..
توقف المترو بهزة عنيفة، فانتبه الرجل وتلفت حوله وهو لا يعرف إن كان في محطة السيدة زينب أم عزبة النخل، وهم للنزول دون أن يسأل.
جاءها المخاض هذه المرة عنيفا عنفا لم تشهده في كل ولادتها السابقة، مع أنها بكرية، فاضطروا لعملية قيصرية، لكن بعد فوات الأوان، خرج الجنين ميتا كما تمنى أبوه الرسمي، ثم لحقته أمه، وقبل الدفن أثار أهلها احتمال إهمال جسيم أثناء العملية، وطلبوا تشريح الجثة، وإذا بتوأم لم ينتبهوا إليه ما زال في تمام الصحة والعافية. قاوم الخروج حتى لا يغتاله متربص، ثم قرر أن يخرج حاملا قدره بشجاعة، فبدا سليما فتيا في تمام العافية.
لم تصدر من الوليد الجميل صيحات الولادة، راح يبكي بكاء غاضبا مرا صامتا بلا انقطاع، لكنه بدا قادرا على بعث حقيقي من بين عفن الرمم المتناثرة.
الدستور "ت ع ت ع ة" 26/7/2006
اقرأ أيضا:
تعتعة: التغابي حيث لا داعي للتحايل! / يا هنود العالم الحُمْر، اغضبوا أو انقرضوا..! / أدنى من النمل الأبيض!!!