لماذا يختارون فرق الكاراتيه من قصار القامة؟
شاب في أوائل العشرينيات شعره طويل ومدهون بالجل يشبه شبابا أراهم على النواصي في الأحياء الشعبية والمتوسطة, لا ينم مظهره عن اهتمام بالسياسة حسب التصور التقليدي للناشطين... ننتبه فجأة لهذا الشاب وسطنا وشباب فرق الكاراتيه يسحلونه وينتزعونه خارج الدائرة, يضربونه بقسوة غير مبررة... الشاب يصرخ مناديا على أمي "أرجوك يا أمي لا تتركيني لهم"...
أمسك بالكاميرا الفيديو مرتبكة أتسمر عن التقاط المشهد غير متأكدة من قدرتي على مد يد العون إليه لكن أختي (التي تصغرني بعامين الآتية في إجازة من بلاد بعيدة وقررت المشاركة في الوقفة التضامنية مع الشعبين اللبناني والفلسطيني في مواجهة المجازر الإسرائيلية بميدان التحرير يوم الأربعاء الماضي) مدت يدها لتخلصه مفزوعة من العنف والقسوة التي يمارسونها فانتبه بعض الشباب من المتظاهرين وخلصوه من أيديهم وإذا بكماشة تخنقنا وأياد تمتد إلى أجسادنا واختفى الشاب ومن يضربونه وإذا بأمي تصرخ صوري يا بثينة كيف نزع الكلاب حجاب أختك من فوق رأسها فتوجهت بنظري إليها وسط المفرمة وهي تلعنهم وتصرخ في وجوههم كما أخبرتني فيما بعد "إنه على رأسي منذ خمسة عشر سنة كيف تأتى لكم أن تنزعوه عني".
كما أخبرتني كيف لمحت نظرات الفزع على وجوه هؤلاء الهمج قصار القامة لكنها لم تستطع أن تتذكر كيف حدث ذلك بالضبط...كل ما حدث كان مستعصيا على الفهم فهو أمر لا يمكن أن يعقله إنسان سوي فالسلوكيات التي مارسوها معنا تتسم بالمرض والتشوه من جانب من خطط لها تجاه بشر مسالمين يقفون بمنتهى التحضر يعلنون تضامنهم مع شعب يجزر ويباد وأخذت أبرطم في وجوه الضباط "انقذوا لبنان" فهذا هو الشعار المكتوب على التي شيرت الذي كنت أرتديه...
الحقيقة أنني كنت أردد "أنقذوا مصر"بعد أن خرجت لا أعلم كيف من تلك الكماشة الخانقة... وأنا أبكي رعبا على مصير أمي التي كانت تصرخ مستغيثة بأن يرحموها لأنها تكاد أن تختنق مستعيدة نعلي الذي انتزع وفاقدة نظارتي الشمسية وقد حاولت صديقتي مواساتي باسمة "المهم إنك خرجتي بشرفك"... وفيما بعد عرفت أن الذي أنقذ أمي هو لواء بالأمن المركزي يعرفها حيث كان مسئولا عن أمن المعهد الذي كانت تدرس به ولم يفت خالتي (أختها المتوسطة) أن تطلق نكاتها (شأن كل المصريين) وأنا أروي لها ما حدث لأختها الكبرى "هل كان أحد تلامذتها.. هل رآها طلابها وهي بتنضرب في ميدان التحرير؟" وكان المشهد الأخير الذي زلزلني وأنا أعود إلى الكوردون بحثا عن صديقة داسها الهمج قصار القامة في المفرمة هو وجه جندي أمن مركزي يكتم نواحه فتبكي عيونه دموعا رأيتها دما...يا قهرك يا ابني...
واقرأ أيضاً:
الأطفال يهدون الدمار/ لحظة لإعادة النظر