علي بابا الله: قانا وما بعدها بيروت يصل ويسلم
"كربلاء" جديدة حدثت اليوم في قانا، ننتظر تحركاتكم، النصر قريب جدا، وما النصر إلا من عند الله.
منتصف اليوم وصلتني هذه الرسالة من بيروت، ولا أدري في الحقيقة أين تقيم "الحاجة" حاليا!! وأين شاهدتني على شاشة التليفزيون، ومن أين تكتب رسائلها؟!
أكيد تركت بيتها الجديد الأنيق- دون تكلف- في الضاحية الجنوبية، أو بالقرب منها، أرجو أن يظل سليما فكم سهرنا فيه نتسامر ونتحاور في شئون البلاد والعباد في جلسات تظلها المحبة، وتستشعر فيها دفء الأخوة في الله، وتضم أجيالا وأنماطا شخصية ومهنية ومذهبية مختلفة.
بيروت وأهلها، لبنان كله يحتكر أماكن في القلب، الشوارع... المكتبات... مطعم "بربر"، قاعات الفنادق التي شهدت اجتماعات تناولنا فيها مواضيع شتى: البريستول، مريديان، "روتانا" جوفينور... القنوات الفضائية، الاستوديوهات، وفرق العمل!!
البشر المتحضرون المتميزون كأنهم من طين آخر غالبا غير بقية العرب!!
لا أنكر فضل أحد من الآخرين، ولكن هذه الأرض، وهذا الشعب، وتلك الدولة باتت مؤرقة للمحيط الذي حولها: تصعد ويهبطون، تتألق وينطفئون، ما زالت صغيرة، ولكن قادرة على جذب الأنظار والسياح والأضواء في الخلاعة كما في المقاومة!! تبدو ضعيفة، ولكنها ليست كذلك!!
الكل يطلب رأس "لبنان" لأنها تشعرهم بالمواجهة مع عجزهم وضعفهم، وقسوتهم، وفشلهم المزمن!!
تقوم هي من بين الأنقاض بعد كل انهيار، ثم ما تلبث أن تتلقى المزيد من الضربات، وهي شامخة راقية تخفي الصمود والإرادة والشجاعة تحت طبقات المخمل ووراء الليونة، والرقة البادية، إنها الفريدة الوحيدة، الصبية العفية التي لا تشيخ، وهم مترهلون شاخت أفكارهم كما أعضاؤهم، وضرب العفن أنحاءهم، وهم في التخلف مشتركون!!
وهي عزيزة حتى في محنتها، مرفوعة الرأس تحت القصف، وستعود متحدية تبني نفسها بنفسها وسط الانهيار والموات العربي الخانق حولها!!
صديقي الشاعر حين حدثته في أمسية قريبة قال: أكتب إلى "نصر الله" أن يحذر "صواريخ العرب" فستكون أشد من صواريخ الصهاينة، وأكبر تنكيلا!!
قدمت لنا "لبنان" دروسا، وكرامة، وتاريخا للفخر والكبرياء، ونحن مازلنا، نقدم الكلام تلو الكلام، والقليل من الفعل، وكل ينفق ما عنده!!
كانت الحاجة قد أرسلت من يومين تقول:
"المعنويات عالية جدا، والنصر قريب جدا جدا، ما حصل في الجنوب يقارب المجزرة، نسألكم الدعاء.
ومن قبل كتبت:"هل وصلتك رسائلي؟! أخباركم تفرحنا، أرجو دوام التواصل" رددت عليها:"رسائلك تصل وتسلم إلى الآلاف.. فاكتبي لي ولهم".
ليلة أمس أرسلت لها أقول: حذار من الخيانة... حذار من الاسترخاء... المعركة مستمرة لم تنته، ونحن نحاول نصرتكم".
ردت تقول: المعركة مستمرة، ولكن لدينا قيادة عظيمة، وشعبا وفيا، ومجاهدين أشداء، وعزيمة لا تلين، "إن ينصركم الله فلا غالب لكم" الحمد لله على نعمة الهواتف النقالة، وعلى أنها ما تزال تعمل، ولذلك أعجبني اقتراح زميلتي"داليا" أن نستخدم وسيلة رسائل المحمول في التواصل والدعم النفسي لأهلنا هناك، ومن خبرتي أن كتابة رسالة على المحمول هي مهارة تحتاج إلى بعض التدريب من أجل تحقيق أعلى تركيز للمعنى أو المعلومة في أقل حيز من الكلمات.
أستعيد "بيروت" شبرا شبرا من الذاكرة، ربما أكون شاهدا على إعادة تعمير ما تهدم.
مازالت الأشباح تطاردني، أدافعها بالعمل والكتابة، أضبط نفسي وكأني أكاد أصرخ فيمن حولي ليتحركوا ويفعلوا شيئا، رددت على رسالة قانا "الحرب النفسية دائرة، وهم عاجزون إلا عن القصف لتعويض فشلهم في غيره، ورد الفعل اللائق يحتاج إلى إبداع، أسأل الله أن يرزقه، الغضب عارم، ولكن كالعادة يفتقد التفعيل".
كنت مساء الجمعة مع "محمود سعد" في برنامجه"اليوم السابع"، وتحدثنا عن الإعلام الشعبي كما تحدثنا عن المساندة النفسية، وعن مبادرة القافلة التي نحاول تشكيلها لتحمل بعض الدواء والغذاء، وتفتح ممرا آمنا إلى أهلنا المحاصرين.
لأول مرة في حياتي أشعر أن الإحساس يكاد يغمرني، ويسيطر على أدائي أمام الكاميرا، أتماسك بالكاد، وأبدو هادئا كالمعتاد، رغم أنني أرتب أفكاري بصعوبة نسبيا، وأحاول تركيز المقترحات والرسائل لعلها تصل سليمة!!
قلت: نحن نحتاج لبنان بأكثر مما يحتاجنا هو بكثير.
الذين ماتوا من أهلنا هناك، الواحد منهم بألف –على الأقل– من غيرهم!!
نعم قصرنا في حب لبنان، والاعتراف بأفضاله ومكارمه، ولكننا سنبني هذا البلد حتى لو تهدم عشر مرات.
سنبنيه لأننا نحتاجه ونحبه... هكذا ختمت كلامي معه.
أفكر: لن نيأس من أنفسنا، ولا من الناس حولنا:
سنظل نبحث عن الوعي، وعن عشرات الطرق والوسائل والأساليب لنقوم نحن أيضا من بين أنقاضنا في الكسل والقعود والعجز والانهيار، ونساعد أنفسنا، ونحن ندعم أهلنا في لبنان وفلسطين.
واليوم، وغدا، وإلى ما شاء الله سنستسلم رسائل بيروت، ونتعلم من دروس الجنوب البطل، ونتذكر هذه الأيام المباركة، ويكون نزيف الدم وقودا لمستقبل آخر طهره هذا المسك، ولن يعود التاريخ إلى الوراء أبدا.. أبدا.
اقرأ أيضًا:
على باب الله: أجندة دعم المقاومة 28/7/2006/ على بابا الله: وجع المخاض 2/8/2006