على باب الله: وجع المخاض
كأن قصف "قانا" أصابني أنا الآخر في قلبي ورأسي ومشاعري!!
مدعواً من قناة "العالم" كنت في بيروت قبل عدة أسابيع، الليلة التالية لتسجيل حلقة "العالم" ظهرت على الهواء في برنامج لقناة "المنار"، المرة التي قبلها كنت مدعواً من "mbc" في حلقة من برنامج "كلام نواعم".
الزيارة الأخيرة كانت مختلفة عن كل ما سبقها، الآن أشعر كأن الله أرادها بكل ما جرى فيها من تفاصيل لحكمة يعلمها، ورسالة أتأمل فيها، وأحاول أن أفهم!!
قصف "قانا" بعثرني إذ أيقظني على مستوى الوحشية وجحيم التحدي وشراسة المواجهة، بينما دفن عشرات الأطفال تحت الأنقاض وجدته يحركني لأرتب أوضاعي وخرائط تفكيري وحركتي متجهزاً لمعركة طويلة ضارية في عالم كشف عن تضاريس مذهلة فيما يخص من مع، ومن ضد!!
قمر المقاومة يتلألأ أكثر في سماء حياتي، دم الأبرياء يجري زكياً فيطهرني كأنه ماء زمزم، وطوفان الصور، ودانات المدافع، وابتسامات "أولمرت"، ونظرات "بوش"، ونغمات صوت "نصر الله"، وسفاهات القادة العرب، كلها تتجمع كثيفة في الوعي يقظةً ومناماً، وتتشكل مخاضاً يمكن أن يولد من رحمه "أنا" جديدة، وأمة جديدة!!!
ومضة أدعو الله ألا تنطفئ، وأود لو أظل مستيقظاً أتابع كل التفاصيل، وددت لو كنت مع المجاهدين بكاميرا توثيق ألتقط بها عن قرب ذعر الصهاينة ورعبهم وفرارهم لأن الأجيال القادمة ربما لن تصدقنا إذا قلنا لهم أننا أوجعناهم، وأنهم جبناء!!! وأتصل بأكثر من صديق صارخاً: ألا يمكن تنزيل الملفات الصوتية والمصورة من على موقع "الجزيرة" لنحتفظ بها، ونتيحها لمن يريد، وللتاريخ!!!!
يا ليتني كنت متفرغاً لاستثمار هذه الومضة_الصحوة_ الفريدة التي أعرف بسوابق خبرتي أنها لا تطول ولا تتكرر كثيراً!! يا ليت وقتي كان أطول والمبادرات، ورحى الجهود، وتكوين الشبكات، وتدريب الناس على الأفكار الجديدة التي يحتاجونها وأعرافها!!
يا ليت كلماتي كانت أنقذ فيمكنها تحريك أفئدة وعزائم أفراد أكثر لنعمل معاً في هذه اللحظة، وما بعدها، والعمل كثير. ليتني كنت "نسراً" فأطير إلي الجنوب، وإلي "بيروت"، و"بعلبك"، وأرفرف فوق "صور"، و"قانا"، ومزارع "شبعا".
ليتني كنت الريح تهب فلا يوقفها، ولا يمنعها، ولا يرها أحد!! ربما قررت وقتها أن أكون مثل الريح التي أرسلها الله لتفشل حملة الأحزاب حين تجمعوا ليقتلعوا الإسلام التي أرسلها الله لتفشل حملة الأحزاب إلي الأبد، فردهم الله لم ينالوا شيئاً.
سمعت أن السيد "حسن نصر الله" طلب من المسلمين قراءة سورة "الفتح"، وتذكرت ما حفظته من فواتح سورة "الحشر" فدمعت عيناي:
(هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَار) (الحشر:2). اللهم افتح علينا، واقتل أعداءنا بدداً، وأحصهم عدد ولا تغادر منهم أحداً، اللهم انصرنا على أعداءك، وأعداء دينك.
حضرت مؤتمر إغاثة لبنان برعاية اتحاد الأطباء العرب، وتمنيت لو أن أحداً يحصي المبادرات والأفكار القابلة للتطبيق والتفعيل، ويوصل بين الجهود الكثيرة من أطراف عديدة تحاول مساعدة لبنان، كل على قدر استطاعته!!
وددت لو أجد وقتاً لأكتب وأشرح المزيد عن طبيعة المعركة الدائرة، وأن السلاح فيها ليس الطائرة والدبابة والصاروخ فحسب، ولكن الصورة والكلمة، والمال والأغنية، والحرب النفسية الضارية من تلاعب بالمفاهيم، وترويج الأكاذيب، وقلب الحقائق، ولكل هذه المهام مطلوب مجاهدين ومجاهدات.
أدهشني وأسعدني أن يذكر شيخنا "يوسف القرضاوي" مصطلح "الجهاد المدني" في الحلقة الخاصة من برنامج "الشريعة والحياة" التي رأيت إعادتها قدراً منذ يومياً. وددت لو كان عندي ما يكفي من الفرصة لأكتب ثانية موضحاً ومعمقاً لما سبق وكتبته عن "الجهاد المدني" الذي أراه مشروع تحرير الناس، وبناء قدرات الأمة، وخطة الالتفاف والدعم حول بؤر المقاومة الصامدة في عالم المسلمين. وددت لو استعيد الكلام عن "القوة الصلبة" و"القوة اللبنية"!!
وددت لو أعطاني الله القدرة على تعليم الناس اختصار الوقت واستثماره بدلاً من تبديده في تحركات لا تفيد أو في تقرير مواقف إبراء الذمة، أو في كلام يحمل من العواطف والحماسة أكثر مما يحمل من البرامج والمقترحات، أو حتى الأفكار والتوضيحات والمعلومات!!!
مازال الناس يسألون: ماذا نعمل؟!!
ومازالت هناك إجابات يطرحها البعض هنا وهناك ومازلنا نعمل بطريقة الجزر المعزولة دون حد أدنى من التنسيق أو التشاور!!
ومازلت أنا أرى ما يحدث أمامي فأغرق في التوتر وألم الشعور بقلة الحيرة لأني أعر ف شيئاً أو بعض الأشياء القابلة للتطبيق، ويحزنني أنني لا استطيع نشرها ولا تطويرها بالشكل الذي يرضيني، والله اسأل التوفيق،.......... والمجد للمقاومة.
اقرأ أيضًا:
قانا وما بعدها بيروت يصل ويسلم/ وحملوها.... فطارت في الهوا الإبل