إلى أين نحن -البشر- ذاهبون تحت قيادة هذا النظام الإبادي الجديد؟
المسألة ليست، قاصرة على صراع إقليمي محدود، يحتاج لشرق أوسط "سابق التجهيز". الأمور تتطور -عبر العالم- أخطر فأخطر. القوى التي أصبحت تمتلك أسلحة الانقراض الشامل تسيطر على العالم بلا رادع ظاهر كاف حتى الآن.
الأطفال، صانعوا مستقبل النوع البشرى، يتشكلون حاليا من واقع الأحداث البشعة المحيطة. الذي يجرى حالا لا ينذر فقط بخراب الديار، وهلاك الأبرياء، وانتصار الظلم، وإنما هو نذير بتخثر وعى الأجيال القادمة. لا يقتصر الأمر على قراءة مغزى تلك الجريمة التي تلخص موقف القوى المغيرة على الحياة، جريمة رسائل الموت التي يكتبها أطفال إسرائيل إلى أطفال لبنان (يا للفضيحة/ البشاعة) وإنما يمتد إلى إفساد برمجة وعى كل أطفال العالم حين يصبح الدمار -لا البقاء- هو البرنامج الغالب لنوعية الوجود البشرى.
القيم التي تترسخ في وعْى فعقول النشء عبر العالم من واقع ما يصلهم من الإعلام، ومن الواقع الماثل، أصبحت تهدد مستقبل البشرية. الظلم الذي يسّوقه المجتمع العالمي رسميا لم يعد يتجاوز مواثيق الأمم، أو قانون العدل الدولي فحسب، المسألة أصبحت تهدد بتجاوز قوانين البقاء الطبيعية. قديما كان الأمر يقتصر على قهر أو سحق المهزوم حتى لو كان المنتصر هو الظالم الغبي، الأمر الآن تجاوز ذلك إلى الإعلاء من جدوى القهر المبيد. هذا هو ما يصل إلى وعى كل الناس ويبرمجه تدهوراً دون استثناء الأطفال، الأحياء الأدنى أرقى من البشر بما لا يقاس.
الحشرات التي تدعى عادة بالنمل الأبيض ليست إلا صراصير اجتماعية، ظهرت على الأرجح من 200 مليون سنة، قبل الحشرات الاجتماعية الأخرى مثل النحل والنمل.
كيف يتم التنسيق بين نشاطات أفراد هذه الكائنات؟ فشل التفسير الذي يعزو مثل هذا التنظيم البالغ التعقيد والكفاءة إلى فرد متفوق يقود القطيع، برغم وجود ملك وملكة، حاول العلم تفسيراً آخر فافترض أن كل حشرة على حدة مبرمجة لعدة استجابات بسيطة، تتكامل مع برنامج زميلتها دون تواصل مباشر، إلا أنهما من نوع واحد، كل حشرة مفردة تتفاعل مع الحشرات الأخرى من نوعها بناء على برنامج أكثر رقيا يجمع الجميع في "محيط" واحد قادر على البناء لتحقيق الأمن والبقاء.
هكذا يبرز السلوك الاجتماعي مكتملا من خلال الترابط بين الوحدات المجهولة بعضها لبعض، فيتم بناء العش، وتشكيل قافلة، وجمع الغذاء، تماما مثلما تعمل خلايا المخ البشرى متميزة كل على حدة، لكن في محيط تكاملي. (كما ثبت مؤخرا قياسا بحاسوب عملاق).
مستعمرات هذه الحشرات تتناسق في"حقول اجتماعية" تشتمل على مخططات دقيقة جامعة لبناء المستعمرة، حتى أنه تم تقسيم قطيع من هذا النمل إلى مجموعتين فصلا بحاجز بينهما، فقامت كل مجموعة ببناء نصف المستعمرة بما يكمل النصف الآخر تماما، لا بما يشبهه، وكأنهما فريقان من المنفذين لرسم هندسي، يقوم كل فريق بجانب في التنفيذ في موقعه، ليتكاملا في النهاية بناء متصلا.
أضف إلى هذا السلوك الاجتماعي البقائي بين أفراد النوع أن وجود نوع من الأحياء قد يتطلب الحفاظ على وجود نوع آخر، وهو يسمى "التوازن الحيوي"، هذا هو قانون قبول الآخر الحقيقي وليس ما يجرى بين البشر من كلام، وقبلات، في الندوات والمؤتمرات والاجتماعات، بما في ذلك اجتماعات مجلس الأمن المخجلة!!، تلك الاجتماعات التي لا يخرج منها إلا تدعيم الاستعلاء فالظلم فالقتل فالإبادة للقاتل والمقتول معا.
البشر -بما يجرى- لم يرتدوا إلى قانون الغابة، بل ابتدعوا أخبث وأسرع البرامج للفناء والانقراض. أولى بنا أن نتعلم من الأحياء الأدنى وبرامج التطور، بدلا من أن نزعم أننا ارتددنا إلى قانون الغابة الذي بدا مؤخرا أنه أرقى مما يفعله الصهاينة، هم ومن يشجعونهم، ويدعمونهم، سرا وعلانية.وبرغم كل ذلك، فالنصر في النهاية هو لحراس الحياة من المبدعين والشعوب، حيثما كانوا، كيفما كانوا، مهما طال الزمن.
نشرت في الأهرام 31-7-2006
اقرأ أيضا:
يا هنود العالم الحُمْر، اغضبوا أو انقرضوا..! / تعتعة سياسية حتى لو أجهضوها ألف عام! / استحالة الممكن وحتمية المستحيل