في الحقيقة لا يوجد شيء اسمه الشرق الأوسط الجديد إلا في تصريحات الصهاينة والإدارة الأمريكية، وهم يحلمون ويتمنون، ويخططون وينفذون قائمة أولويات، وحزمة برامج على الأرض أصبحت واضحة لكل صاحب عينين.
لكن يبدو أن كلام أختنا الكريمة د. رحاب صحيحا فهي تنهي كل رسالة إلكترونية بعبارة حكيمة موحية: "ليس كل من له عينين يبصر بهما"، أو شيء من هذا القبيل على ما أذكر!! يصيبني الحزن والغم على ما يحدث في العراق، ولا أذكر من متى!!
العراق الذي كان زهرة المنطقة، وكان سفر المصريين إليه مدعاة للفرح أيام الثروة والنعمة قبل أن يدخل النفق الرهيب الذي لم يخرج منه إلى اليوم...
في لقاء الساقية الأخير وقف أحد الحضور لنكتشف بعد دقائق أنه "عراقي" يزور القاهرة، وكان مما قال أن العراق يعاقب اليوم على طموحاته وآماله، وطريقته في التحالف والتواصل مع الغرب، وتطبيقه لفكرة توزيع الثروة من خلال الوافدين إلى أرضه حيث كان يعاملهم على قدم المساواة -تقريبا- مع مواطنيه، وأنا أزيد أن مقولة إعادة توزيع الثروة العربية ظلت شعارا لصدام في حروبه ومغامراته التالية، ويبدو أنه لم يكن صوابا أن سكت تماما على خوضه للحرب الكارثية ضد إيران عقب انتصار الثورة هناك، تلك الحرب التي سلحت فيها قوى العدوان والكيد الطرفين جميعا للإفتاء والإفناء والإضعاف، والتفتيت والتدمير لهما معا!!
ثم نحن اليوم نقرأ ونتداول كلاما يشبه ما كنا نسمعه بالأمس عن المذهبية، والسنة والشيعة، وما بينهما تاريخيا وعقائديا وسياسيا من خلافات أو اختلافات، ويومها كان ترويج هذا الكلام المشبوه المسموم مقدمة لحرب طاحنة لم تظفر فيها بالحطام، ونزيف القدرات وتنمية العداوات!
هل لدى المتحمسين العميان من الطرفين أية دراية بهذا التاريخ؟
وهل لدى الأجيال الجديدة أية معلومات عن أن أمريكا وإسرائيل، وأي طرف في صراع إنما يسعى لنشر الفتن، وزرع الفرقة، والتناحر الداخلي عسى أن تمنحه السياسة والمكائد، وخطط نشر المعرفة المشوهة، واستخدام المشاعر، وتزكية التعصب، أي الهدف أن يحصل العدو بالكيد والسياسة، ما عجز عن تحقيقه بالسلاح والمواجهة!!
وفينا "سماعون لهم" يرددون الكلام لا يدركون خطورته، ولا إلى أين يقودهم!!
حرب أخرى أهلية أو إقليمية على المذهب؟!
والفتوى صدرت، وأثناء القصف والتدمير، بأن حزب الله رافضي، ولا تجوز نصرته، ولولا الملامة لزادت الفتوى: وينبغي قتاله!!
الفتوى جاهزة، والمشاعر معبأة وجاهزة، والدماء تنزف في العراق برعاية الأمريكان الذين يعطون الغطاء لميلشيات مجرمة تستخدم الشعارات المذهبية لقتل الأبرياء، والإنسانية كلها منهم براء، وأي منطق عاقل فضلا عن أن يكون إيمانيا يرتعد من نقطة دم مسلمة بريء تراق ظلما، فهي كما في الحديث أشد حرمة عند الله من الكعبة المشرفة نفسها!!
المجرمون الذين يقتلون العراقيين يستخدمون المذهبية ستارا لإجرامهم، ويجب فضحهم، ولا بد من المواجهة الشاملة معهم من داخل الصفوف الشيعية قبل غيرها!!
وهذا بعض"الشرق الأوسط الجديد" الذي يحلمون به ويحاولون تنفيذه، فيه حروب أهلية طائفية ومذهبية، أقرأ تحت عنوان: وضع الخطط للحرب الأهلية في النيوزويك العربي: أتمت القوات الأمريكية في العراق الكثير من عناصر التخطيط للطوارئ في حالة اندلاع الحرب الأهلية، ويتمحور نهج القوات المسلحة الأمريكية في هذه النقطة حول ثلاثة مبادئ:
الأول: وقف المجازر عن طريق قيامها عمليا بالفصل بين الجماعات المحاربة، ونقل الأقليات من أماكن الخطر إذا ما اقتضت الضرورة.
الثاني: وقف تدفق العصابات شبه العسكرية عبر البلاد.
الثالث: وقف أي تحريض على العنف على شاشات التلفزيون، وأثير الإذاعة العراقية.
ويزيد معلق لم يذكر اسمه: "أنه في حالة حصول مثل هذه الحرب فإن جميع القوى الإقليمية ستتدخل، وإن ذلك سيتحول إلى حرب إقليمية"!!! انتهى...
وأي طالب في مدرسة إعدادية "متوسط" يمكن أن يسأل: ولماذا لا توقف أمريكا المجازر الدائرة حاليا؟!
ولماذا لا توقف تدفق العصابات؟! ولماذا لا توقف التحريض؟ّ! والإجابة واضحة وبسيطة أنها ضالعة في هذا كله فهي توفر الغطاء البوليسي علانية لبعض هذه المذابح، وهي تسهل مهمة ما تسميه هي، وأتفق مع التسمية، عصابات شبه عسكرية، ولا أعتقد أن الرسائل والبرامج والحوارات التحريضية من كل طائفة بحق الأخرى، بما في ذلك الفتوى إياها، لا أظن أن هذا كله بعيدا عن الشرق الأوسط الجديد ذي الحروب الطائفية والصراعات المذهبية!! وليس بعيدا عن الخطط الأمريكية، والأحلام المجرمة!!
كم منا يتورط في تحقيق أحلام أمريكا بوعي أو بغير وعي؟!
إذن حروب طائفية ومذهبية قطرية وإقليمية، هكذا يتمنون، وماذا أيضا؟! توقف الحديث تماما عن الإصلاح والديمقراطية في المنطقة، ولا أعتقد أن الأنظمة العربية تريد له أن يعود!!
وقد رأى الغرب بعينه أن الديمقراطية تأتي بالإسلاميين لتكتشف أنهم في البرلمان، كما في ساحات المقاومة في فلسطين ولبنان وغيرها.
الديمقراطية الأمريكية القائمة على الاحتلال في العراق فشلت تماما، والبديل الأمريكي لها هو الحروب الطائفية، وتفتيت الكيانات الوطنية وتزكية النعرات والانتماءات الفرعية، مع دعم الأنظمة المستبدة بلا حدود مقابل استمرار تحقيق مصالحهم في بلداننا، ولا إصلاح ولا يحزنون!!
إذن استمرار الفساد والاستبداد والتخلف، استمرار الحال على ما هو عليه، وأسوأ، مع خلع أظافر حزب الله وحماس وبقية المتمردين فتصبح المنطقة بحيرة من السلام والرخاء والهدوء والاستقرار... لإسرائيل!!
انتصار المقاومة اللبنانية، ومن قبله صعود حماس بنجاح جماهيري كبير، وبدرجة أقل فوز الإخوان في مصر، والإسلاميين في المغرب وغيرها يطرح بدايات لمشروع شرق أوسط مختلف له مسارات وملامح مختلفة، لكن هذا المشروع المختلف يحتاج إلى الناس ودعمها، ولا أدري ماذا يدور في العقول؟! وكيف ينوي الناس؟! فقط أرى بعض المساحات والقطاعات والدوائر إما تتداول البهجة على الانتصار، وآخرون يتحسرون على الدمار، وفريق ثالث يردد نغمة شيعة وسنة، والحصيلة بائسة غالبا تترك الفعل والفاعلية للأنظمة التي تتجمد، أو تتحرك، ولكن في الاتجاه الخطأ، وضد مصالح شعوبها ومستقبلها!!
مشروع المقاومة والممانعة، والجهاد المدني من حولهما، مشروع مواجهة الاستكبار والظلم والعدوان الواقع على البشر جميعا أو المستضعفين منهم في كل مكان، مشروع إنشائي لعالم أفضل ممكن!!
هذا المشروع كل مادته وبداياته ومعطياته ومبرراته موجودة وجاهزة، ولكنه يحتاج إلى فعل وتفضيل وإطلاق جهود ومبادرات، أليس طبيعيا أن أقلق؟!..
17/8/2006
اقرأ أيضًا:
على باب الله: أنا والجهاد وهواك/ على باب الله: حروب الإدراك والكرامة