ساخن من لبنان أخيرا دمشق... أخيرا
ساخن من لبنان السبت 19-8-2006
كان علينا هذا الصباح أن نستيقظ في السادسة والنصف لنكون جاهزين في الموعد فبعد أن نظهر على الهواء في قناة المنار لنتحدث عن أهداف مشروعنا في لبنان وموعد ظهورنا هو الثامنة والنصف صباحا، علينا أن نتوجه إلى مدينة صيدا لإجراء برنامجنا التدريبي لمجموعة من المتطوعين، لكننا تأخرنا في استيقاظنا مثلما تأخرنا في بداية نومنا.
على أي حالٍ صحونا في السابعة والربع وهو ما اضطرنا إلى النزول ركضا بلا إفطار ولا قهوة لنجد الشيخ غسان من أعضاء جمعية الإرشاد والإصلاح الخيرية الإسلامية في انتظارنا بسيارة ترافقنا في رحلتنا، كان اليوم هو اليوم الذي سندخل فيه الضاحية الجنوبية لأول مرة بعد العدوان، وكذلك نمر بحارة حريك لأننا على موعد مع قناة المنار على الهواء مباشرة، ورأينا ما أدمى قلوبنا فليس شارع مررنا به من شوارع الضاحية إلا وفيه بنايتان مهدمتان على الأقل..... وأما مبنى قناة المنار فلعلني كنت أكثر صدمة من زميلتيّ لأنني كنت أعرف المبنى الأزرق الأنيق الشاهق، حيث كنت قد سجلت من قبل سنة 2004، أما الآن لم يعد هناك مبنى وإنما كومات من ركام، رفعت عليها لافتة حمراء كتب عليها صنع في الولايات المتحدة الأمريكية Made in USA وأخرى كتب عليها "قنابل ذكية لعقول غبية".
إلا أنني بالفعل أذهلني صمود العاملين فهناك أمام الركام كانت عربة البث وأمامها جلست المذيعة على طاولة وسط الساحة المقابلة لما كان مبنى قناة المنار، وإلى جوارها على اليمين كان المعد وبعض العاملين والعاملات في القناة.... فعلا كنا نصور في الهواء على الهواء، وكانت الروح المعنوية عالية تصل السماء، وتكلمنا عن ما أتينا لأجله وعن ما أذهلنا من صمود هذا الشعب اللبناني العظيم، وذكرت أنا ما لدى إخواننا العاملين في مجال الصحة النفسية في فلسطين من خبرات ودراسات، وأعطينا أرقام هواتفنا في بيروت ليتمكن من يريد من التواصل معنا، وكان بفضل الله لقاءً موفقا.
سألت عن كل من أعرف في قناة المنار وطمأنوني عليهم جميعا والحمد لله، وانطلق بنا الشيخ غسان بعد ذلك إلى صيدا وفي الطريق رأينا آثار القصف والتدمير الحاقد للجسور طوال الطريق وكان من الواضح أنهم استهدفوا طريق الدخول إلى بيروت أكثر من طريق الخروج منها، ربما لقطع الطريق على النازحين، وتوقفنا عدة مرات لالتقاط صور الدمار، وما أبشعه خاصة حين يختلط مع المناظر الطبيعية الخلابة، وقتها شعرت بكمِّ الحقد الذي يكنه الصهاينة للبنان تحديدا فهو بالفعل أجمل البلدان العربية من ناحية الطبيعة، وها هو يصبح البلد العربي الوحيد الشجاع.
وبعد وصولنا إلى صيدا بحثنا عن مكان لنفطر ونشرب القهوة لكننا وجدنا محلا لبيع المناقيش بالجبن أو الزعتر، ووفقنا في ذلك لكننا لم نجد محلا يبيع القهوة جاهزة أو بسرعة فلم نتمكن من الانتظار، وحدثني الشيخ غسان كثيرا عن مخاوف أهل السنة مما يقول أنه حدث من تمييز للشيعة مقابل السنة في توزيع المواد الإغاثية في بعض قرى الجنوب المنكوبة، وأحزنني كثيرا ذلك لأنه على أقل وصف تصرف غير مسئول!
لم يكن وصولنا لمقر جمعية الرحمة التي سنجري فيها لقاءنا التدريبي سهلا وبعد استفسار وتغيير لاتجاه السيارة عدة مرات وصلنا أخيرا لنجد مبنى كبيرا رائعا كان من الواضح أنه حديث البناء ومتطور المحتوى، وعلى البوابة الداخلية للمبنى رأيت لوحة صغيرة كتب عليها: "دورة كيف تتعامل مع النازحين؟" وأعجبني ذلك المسمى لما نقدمه وإن رأت زميلتي داليا الشيمي أن ذلك العنوان قاصر لأننا أيضًا ندرب على كيفية التعامل مع المتضررين من الكوارث دون اشتراط نزوحهم.
كان الشباب في القاعة أكثر من ثلاثين ذكرا ولاحظت غياب الإناث، وعرفنا أنهم ينتظرون منذ التاسعة والنصف صباحا رغم أننا كنا قد أجلنا موعدنا معهم من العاشرة صباحا إلى الحادية عشرة بسبب ارتباطنا باللقاء على قناة المنار، واعتذرنا لهم عن ما بدا لنا أنه سوء تواصل، وإن كان من الطبيعي أن يحدث ذلك لأن تغييرنا للموعد والذي تم مع الأستاذ كامل عبد الكريم كزبر مدير مدرسة ثانوية اسمها مدرسة الإيمان، وهو منسق تلك الدورة، إنما تم مساء السبت فلم يكن يستطيع إبلاغ أعضاء المجموعة بتغيير الموعد من العاشرة إلى الحادية عشرة،.......... بعد حوالي ربع الساعة من بداية البرنامج ظهرت بعض الإناث إلا أن حضور الذكور كان غالبا في ذلك اليوم والحقيقة أنهم كانوا مختلفين عن كل توقعاتنا وكان واضحا أنهم قاموا بجهد حقيقي أثناء المعركة لأن صيدا كانت واحدة من البلدان التي استقبلت أعدادا ضخمة من النازحين من الجنوب اللبناني، وظهر ذلك في تفاعل أعضاء المجموعة وفي خبراتهم التي قصوها علينا في الجزء المخصص للتفريغ النفسي والذي اختتمنا به البرنامج.
وعلى مائدة الغذاء الذي تلا ذلك جلس إلى جواري الدكتور قاسم كسروان وهو طبيب أعصاب من صيدا وإن كان أغلب مرضاه من الحالات النفسية، وهذا هو أحد الرجال الذين أوصاني ابن عبد الله بالتواصل معهم في لبنان، وحدثني الرجل كثيرا عن المعاناة التي عاشها أولئك الشبيبة أثناء المعركة وعن ما قام به من محاولة لدعمهم، كذلك حدثني عن الصعوبات التي يواجهها من يريد ممارسة العمل الأهلي التطوعي في لبنان دون أن يكون له انتماء سياسي معين أو بمعنى آخر دون أن يكون مسنودا بجهة سياسية داخلية أو خارجية ما، وكانت هذه المعلومة أسوأ ما عرفت في ذلك اليوم..... وبعد انتهاء الغذاء اقترحت سمر أن نأخذ صورة تذكارية مع مجموعة الشباب..... واستأذنا بعد ذلك منطلقين إلى بيروت.
وبينما لم يستغرق طريق الذهاب إلى صيدا أكثر من نصف ساعة كانت العودة شاقة، فاستغرقنا أكثر من ساعة ونصف في الطريق لأن معظم أجزائه كانت مغلقة بسبب القصف كما أنه كان مزدحما لأن اللبنانيين يخرجون من بيروت يوم السبت لقضاء إجازة الأحد خارجها، وقريبا من بيروت مررنا بنفق تحت المطار ورأينا كيف ثقبت القذيفة سقف النفق وقمت والأستاذة سمر بتصويره مشدوهين بما نرى ولا ينطق بغير الحقد الإسرائيلي البغيض!
وأما ما لا ينسى في طريق العودة فكانت تلك السيارة التي ترفع علم حزب الله، وفيها أسرة رجل وامرأة وأطفال ومنها ينطلق صوت أناشيد حزب الله وصوت حسن نصر الله، أي فرحة بالنصر تلك وأي مجدٍ للمقاومة!
ويتبع >>>>>>>: ساخن من لبنان الاثنين21-8-2006
اقرأ أيضا:
لبنان لماذا؟ وفلسطين والعراق لا؟ مشاركة / ليه مش بتمسك إيدي، مشاركة