على باب الله: لبنان.. رحلة الحياة4
لبنان لن ينادي أحدا، ولن يطلب من أحد، وأنا قلت من أول يوم للحرب أن العرب يحتاجون لبنان بأكثر مما يحتاجهم هو بكثير، والأحاديث المسمومة عن لبنان للبنانيين، هي مثل الخرف القديم المتجدد عن مصر للمصريين، الذي رأيناه واقعا أن يقال هذا الكلام بينما لا تلعب في أحشائنا أجهزة الأمن والمخابرات المحلية والمعادية، ونصبح غنيمة للرائح والغادي، ثم حين يحاول أحد من الناس التواصل لدعم بالكلمة أو المشورة أو الجهد، خارج قطره، يقال له: مصر لأهلها، أو لبنان.. شأن داخلي، خاص بأهله!
أقول: نحن أهله، وكل من شارك أو يريد المشاركة في ملحمة بطولته أو دعم صموده أو إغاثة شعبه أو إعمار أرضه هو من لبنان، له ما لأهله وعليه ما عليهم.. سواء بسواء.
قالت لي مضيفتنا في منزلها بالضاحية: لقد كانت رسائلك اليومية بالمحمول، وما تحمله من أنباء حركة الشارع المصري، ومشاعر التأييد الجارف في قلوب المصريين، وجهودهم في التضامن معنا، رسائلك هذه مثلت دعما معنويا لي ولمن حولي بشكل لا يمكن أن تتصوره، بارك الله فيكم وفي جهودكم، وأبقاكم ذخرا لأمتنا.
وعدت إلى العوامة.. أقصد إلى مصر.. لأجد نفس المعارك ونفس المانشيتات ونفس الهراء.. والهواء الساخن الملوث! عدت إلى الثرثرة فوق النيل حيث "مصطفى راشد" وأمثاله، ولسان حالهم يقول: "إننا لا مصريون ولا عرب ولا بشر، نحن لا ننتمي لشيء إلا هذه العوامة"!
فيرد "علي السيد" وأمثاله: "لا تصدقي كلام مصطفى حرفيا، لسنا أنانيين بالدرجة التي صورها، ولكننا نرى السفينة تسير دون حاجة إلى رأينا، أو معاونتنا، وأن التفكير بعد ذلك لن يجدي شيئا، وربما جر وراءه الكدر، وضغط الدم"..
عدت إلى حيث "نعيش فوق الماء فنهتز لوقع أي قدم"! إلى حيث يشغل بعضنا نفسه بسؤال: كيف تتحول المهزلة التي نعيشها إلى دراما هادفة؟؟ كيف يكتسب هذا العبث معنى؟؟
وما زلت سارحا متأملا مع الثرثرة فوق النيل.. حيث "ليس في العوامة زمن" أسمع الصارخين الساخطين: "فيا أي شيء افعل شيئا فقد طحننا اللاشيء".. أرقب مشاحنات يومنا وليالينا في البرلمان وفي الشوارع وفي نادي الزمالك وفي كل شبر، ومعاركنا الملتبسة والمفتعلة أحيانا: شيعة وسنة، إسلاميين وعلمانيين، أشعر أننا نهرب بها من الخواء، ونقطع بها أوقات الفراغ أو أعمار الفراغ !
وبالتالي كلما اقتربت جهودنا من تفاهم ينفع أو تحالف يفيد يرتفع صوت، تكون له الغلبة فيما بعد.. صوت من وسط الثرثرة يقول: "لا تبالغوا في توطيد السلام، وإلا حل بنا الملل"..
رحم الله نجيب محفوظ.
اقرأ أيضًا:
على باب الله: أقول لهم نصرٌ.. فيقولون شيعة / على باب الله: أثينا.. لأول مرة -1