كانت فرصة ليتجدد إيماني... ومن أول لحظة، حين تقدمت للحصول على التأشيرة متأخرا بسبب وجودي في لبنان قبلها!!
كانت الأفكار تدفعها الأقدار لتكون هذه الرحلة التي كنت أحتاجها فعلا!!
كيف تعمل مشيئة الله سبحانه؟! وما هي علاقتها بمشيئة البشر؟!
أعلم أن قدر الله مطلقة، وأنه لا يُسأل عما يفعل, وهم يسألون، ولكنني أتأمل في العلاقة بين إرادة الله جل وعلا، وإرادة الإنسان، وكثيرا ما يريد الإنسان شيئا بكل ما لديه من طاقة وقوة، ولكنه لا يحصل عليه، وأحيانا يسخر كل شيء للحصول على هدف معين، وتعينه الأقدار فيصل!!
أين هذا من قولهم أن من يريد شيئا بحق وتجرد وتركيز فإن كل الكون سيتحالف معه ليحقق له ما يريد؟!!
كلما كبرت أشعر أنني أكتب أشياء جديدة، منها رهافة الحس بالتفاصيل الدقيقة، وصديقي الخمسيني قال لي: عندما يكبر سن الرجل تخفت اهتماماته بالشهوة واندفاعها، ويزيد اهتمامه بالذوق، وبالتفاصيل الحميمة، وأنا أزيد أن روحه ووجدانه يزدادان تألقا وصفاء بعد أن يتخفف الجسد من بعض قيوده ونزقه وتوتره.فكرت منذ قليل، وأنا أكتب هذه السطور في انتظار إقلاع طائرتي عائدا من اليونان.
فكرت أن الإيمان بالله وبيوم أخر ربما يكون الاختيار والسبيل الوحيد للحد من العار تجاه المادة والشهوات والصراعات!!
حين تعتقد في قرارة نفسك أن هذه الدنيا هي مجرد حلقة أو جولة في مسلسل أو مسيرة طويلة لا تنتهي بالموت، ولكن تتحول من حال إلى حال، ومن وجود إلى وجود!!
حين تلوح تلك الدنيا كلها أحيانا مثل ومضة، مجرد ومضة، إيماءة إلى حياة أخرى أكثر اكتمالا وعدلا، ورحمة وسعادة!!
إذا رأيت خضرة خطر ببالك أن الجنة أخضر، وإذا رأيت أنوثة جارفة تذكرت أن ما عند الله أجمل وأبقى، وإذا رأيت زخرفا في ملبس أو بناء أو مركب أو مكان طاف بخاطرك ما أعده الله بيديه لعباده الصالحين.
طبعا من حق البعض، وهم يفعلون، أن يروا هذا محض تصور ساذج للأمور، محض هروب من تنافسات الحياة، محض عجز عن ملحمة اللهو واللعب، والكيد والتفاخر واللهاث.. المسماة بالحياة.. الدنيا!!
هم يرونها ولا يرون غيرها، وقد شحنوا طاقاتهم, وجهزوا مقاساتهم لتتواءم معها، من حقهم أن يختاروا ويعيشوا اختيارهم، ومن حق غيرهم أن يرى غير ذلك، ويعيش تصوراته.
لا مشكلة عندي في هذا، وإن كان يوجعني البؤس الذي يتصف به أولئك الذين يتخبطون، وبعضهم يتعصب لمحض خرافات يحسبها الحق الذي لا يلتبس به باطل، ويعض بالنواجذ على أشياء تبدو له ثمينة، وهي مجرد هراء، ولا يظلم ربك أحدا!!
وأنواع البؤس والبؤساء، ما أكثرها!!
وأتأمل فأجد حولي منهم، وكنت أحرص سابقا على أن أقول للمسكين بأنه كذلك، أو أنتدب له نفسي لأصحح وأوضح، ثم يزداد إدراكي أنه: "ليس للإنسان إلا ما سعى"، وأن كل فرد محكوم بخلفياته وإدراكه، وصرت أميل إلى نشر الأفكار مجردة، ثم يلتقط منها كل ما يريد، وربما يفيد!!
أصبحت أكثر هدوءا، وأقل تأثرا بالهجوم الشخصي، أقرأ وأستمع جيدا وأتعلم وأحاول التعديل والتطوير في أدائي، وأصير أزهد في أن أقول لأحد: ظلمتني، أو جانبك الصواب!!
أصبحت أبتهل إلى الله أن عمليات التحويل من رصيد من يهاجمني إلى رصيدي ماضية بيسر وتدفق، أجدها طريقة معقولة ومشروعة.
أصبحت أبتهل إلى الله أن عمليات التحويل من رصيد من يهاجمني إلى رصيدي ماضية بيسر وتدفق، أجدها طريقة معقولة ومشروعة لزيادة الرصيد دون عمل شاق، فقط بعض الصبر والحلم والتعفف عن الانزلاق والتردي!!
في هذه الأجواء التي أعيشها، ويعيشها غيري، ينبغي أن يحرص الإنسان على طاقته فلا يبددها، حيث مصاصو الدماء ينتشرون ويتزايدون، أصحاب التشوهات النفسية والروحية والشخصية تتسع دوائرهم في واقع مشوه خانق منتج للعاهات التي أراها تفرز خبثها، وتجمع القمامة، وتقتات عليها وتغرق فيها فتسمن وتنتفخ حاملة على ظهرها خطا كأنه عمود فقري من الفضلات التي تتجمع أكثر شيء في دماغها مثل: الفقريات البحرية، وبعضهم يسير مثل الطاووس حاملا على ظهره هذا الغثاء، وهو يراه ريشا ملونا زاهيا، بينما هو فقارية بحرية مسكينة!!
ما جدوى أن توقف إنسانا يجهل عليك أو يجهلك أو يحاول أن ينال منك لتقول له: احترس، أنت تؤذي نفسك أكثر، أليس العدل والحرية والأفضل أن تتركه يختار لنفسه مكانها ومكانتها؟!
لأنه لن يكون إلا ما يريد لنفسه لا ما تريده أنت، ولأنك أفضل لو تستثمر وقتك وطاقتك في مسارات أخرى، لتكون أنت أيضا ما تريد لنفسك، لا ما يريده الآخرون منك أو لك!!
لذلك صرت أغرق في الضحك، وأشعر بالرثاء والدهشة من هؤلاء الذين يتركون شئونهم وينشغلون بشئوني أو شئون غيري فيصنعون لنا تاريخا موازيا لا يتوقف فضولي عن معرفة تفاصيله، وأتأمل في آليات صناعته، وتدابير نشره، والمبالغة في محاولة إحكامه ليكون مثل سيرة حقيقية، وهو محض خيالات!! أو افتراءات!!
وكثيرا ما أصيبت زميلتي بالرعب حين أقول لها: يوما ما قد أكتب عن فكرة "التاريخ الموازي"، ولا بأس من أن يتبع أحدهم التاريخ أو التواريخ الموازية لله سبحانه وتعالى، ولله المثل الأعلى، ليس كمثله شيء، ولكن إذا كان بعضهم قد اختلق لله أبناء، وحاول أن يلصق به، تعالى علوا كبيرا، من الصفات والأفعال ما هو غريب ومستنكر!! فعلوا ذلك من الرب فكيف بالعباد؟!
ويتبع >>>>>: على باب الله أثينا..لأول مرة -2
اقرأ أيضًا:
لبنان.. رحلة الحياة5 / على باب الله: البابا... والذي أسأنا فهمه(1)