على باب الله: أثينا..لأول مرة-1
فجأة غامت السماء اليوم، والمطر ينهمر بشدة، فتمتلئ نفسي بالأفعال أن يكون قادم الأيام أكثر طزاجة وحيوية ونماءا. والمطر يحرك نفسي، وأحاول أن أدعو الله سبحانه وتعالى بما يفتح علي، وأسأله من الخير كله عاجله وآجله، ما علمت منه، وما لا أعلم.
"اليونان" بلد عريق بحضارته، صغير في عدد سكانه، فهم حول الملايين الإ ثنى عشر، وعندي نظرية أن مثل هذه البلدان هي الأهم بالنسبة لمن أراد إقامة علاقة يستفيد منها. بلدان صغيرة تتحدث لغة خاصة بها، ولها حضارة وتاريخ، ولها آفاق مشتركة معنا جغرافيا وتاريخيا. لا تكاد الطائرة تقلع حتى تهبط في أثينا بعد ساعة ونصف تقريبا، واليونان اليوم جزء من أوربا الموحدة، وهي وسط بين الشرق والغرب، الشمال والجنوب. صفات مزاجية مشتركة بيننا وبينهم، وتاريخ وفنون، وآفاق وتعاون لمن أراد.
قاتل الله العزلة!!
ملايين منا، ملايين من البؤساء يعيشون أسرى مفردات قليلة متواضعة، وتصورات محدودة عن الدين، وعن الخلق، وعن الدنيا، وهم يحسبون أن العلم قد حيز لهم من أطرافه، وأنه من حقهم أو واجبهم أن يقولوا، ويصدروا أراء ونظريات ومواعظ لهداية الناس!!
وأنظمة فاشلة تحكمنا لا تعمل للمصلحة العامة، ولا حتى لمصالحهم الشخصية فحسب، بل للضرر العام كما كتب المستشار "طارق البشري" مؤخرا. ولا أتصور أن من يعمل للضرر العام سينفتح ليفيد ناسه أو مواطنيه، إذن هم لا يعبئون بنا، ونحن نفرض العزلة على أنفسنا ورياضتنا المفضلة هي المبارزة، مبارزة طواحين الهواء!!
خارجون للتو من "حرب لبنان" حيث لدينا كشف حساب لانتصارات ومراجعات واستحقاقات يمكن أن تكون بداية لاتجاه جديد، وعهد جديد، وعصر جديد، ومسار جديد. وبدلا من القيام بما ينبغي يهرول البعض وراء الناعقين بفتن الطائفية والمذهب، أو ملايين لفت نظرها، وقررت أن تخوض معركة من أجل تصريحات بابا الفاتيكان!!
موجة أخرى لتبديد الطاقات، ومبارزة طواحين الهواء، وخلط جديد بين حتمية إثبات موقف، والفرق في معارك جانبية لن تؤدي بنا إلى شيء!! حتى نتحول إلى مجرد أحجار على رقعة شطرنج كبيرة، والمشكل أن الأغلبية الساحقة اختارت أن تكون في اللعبة.. مجرد "بيادق". وأتذكر قصيدة "أحمد مطر"، ومنها:
على رقعة تحتويها يدان
تسير إلى الحرب تلك البيادق...
فيالق تتلو فيالق
بلا دافع تشتبك!!
تكر تفر.. وتعدو المنايا
على خطوها المرتبك
طبعا من حقنا وواجبنا أن نستنكر ما أدلى به البابا، ولكن أيضا مهم أو أهم أن نفكر في خطط حركتنا في مواجهة خطط وممارسات من يكيدون لنا، ويخربون علينا!! هؤلاء الذين سيحاسبون أمتنا بمقاييس أخرى بعد ومن أهم خلاصات الحوار الدولي الذي كنت أحضره في اليونان أن هناك شعورا متناميا وقناعة متزايدة في دوائر التفكير، وصنع القرار والسياسات الغربية بأن هناك فشلا واضحا ومركبا فيما كانت قد قررت تنفيذه من قبل في العراق وغيره، وما حدث في لبنان كان صادما ومتجاوزا لكل حساباتهم في واشنطن كما في تل أبيب!!
وعليه فإنهم يعيدون النظر ويراجعون ويستمعون ويتحاورون انطلاقا من حتمية إحداث تغيير في طرق التعامل مع المنطقة، أي معنا، وفي اللحظة نفسها أنظر إلى خطونا المرتبك ما بين تحليلات جهابذة أنصاف جهال، ومواعظ من لا فقه لهم عن دنيا أو دين، أنظر إلى كم "رويبضة"، وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صراحة منهم، وحددهم بالتعريف أنه: التافه يتكلم في شئون العامة!!
والأمة أراها تغفل عن الحقائق وتغرق في الأساطير، وحين تأملت في كلام "بوش" عن "الفاشية الإسلامية" ثم كلمة بابا الفاتيكان وجدت أنهم كلما شعروا بالفشل يحاصرهم، وحتمية الحساب من الرأي العام الغربي والدولي على الفشل المتراكم فإنهم يفزعون إلى منطقة الأمان المضمونة حيث مصطلحات قاموس صراع الثقافات أو الحضارات، بحيث يصف "بوش" حملته بأنها "حرب صليبية"، وهكذا الحبل على الجرار، ونحن جاهزون بتحليلات الجهابذة، والاختلافات حول ما لا يفيد، وغض الطرف عن الأهم لصالح الأقل أهمية، وأحيانا لصالح التوافه، ألسنا في زمن الرويبضة؟!
اليونان بلد جميل يصلح مدخلا لأوربا، وجسرا بيننا وبينهم، ولدينا تاريخ مشترك، وقرب جغرافي، ومزاج متقارب، وحتى سحنة مشابهة!
وقد عاش ألاف اليونانيين في الإسكندرية وغيرها لقرون، وما زالت أعداد أقل تعيش بيننا، ولكننا نعيش هناك أكثر بفعل الهجرات المتوالية من بلداننا الطاردة لمواطنيها، ولا أنسى منظر الشبان المصريين الذي يحاولون الدخول عن المطار، ولكنهم يخضعون لتحقيقات مطولة، ومهانات متوالية رغم سلامة أوراقهم، ولله الأمر من قبل ومن بعد، ذهبت وعدت لأستقبل رمضان جديد يعلم الله ما يحدث فيه!!
اقرأ أيضًا:
لبنان.. رحلة الحياة5 / على باب الله: البابا... والذي أسأنا فهمه(1)