اعترافاتي الشخصية:أيام بيروت السينمائية
كان يوما طويلا مليئا بالنشاط ومقابلة الأصدقاء وإنجاز بعض المهام.... بعد أن انتهينا من عروض المهرجان اقترحت البقية المتبقية من الشباب القائمين على التنظيم القادرة على الصمود ومقاومة السقوط تعبا بأن نذهب لتناول العشاء في مقهى يدعى "الباروميتر" أمام الجامعة الأمريكية فقابلت هناك صديقة مصرية تجمع الأغاني الشعبية من أنحاء مصر...."ياه دنيا"....!! هذا هو اسمها ووجدتني مشتتة بين أصدقائي السينمائيين والمنظمين وشلتها المكونة من طبيب بشري عراقي يدرس الموسيقى العربية وآخر يجمع التراث الموسيقي الشرقي وصحفي فني بجريدة الأخبار اللبنانية وهي أحدث الجرائد اللبنانية التي في وقت قصير أخذت المرتبة الثالثة بعد النهار والسفير ولكن يبدو أنها ستأخذ موقعا أكبر بفضل جدارة رئيس تحريرها الصحفي اللامع جوزيف سماحة.. فكنت أنتقل إلى الخارج على مائدة أصدقائي ثم يشدني صوت دنيا وهي تغني "بتناديني تاني ليه؟ إنت عايزة مني إيه؟ ما خلاص حبيتي غيري.. روحي للي حبتيه" وهي أغنية صعيدية سمعتها لأول مرة من مطرب صعيدي شعبي عجوز "رحمه الله" عم "همام".
سهرة مليئة بالأحداث سبقها يوم مليء بالتفاصيل الشجية ودعتني دنيا للذهاب إلى البحر ليلا فاعتذرت لإنهاكي ويومي القادم المشحون وبعدها بقليل قمت مع أصدقائي الذين ينزلون معي بنفس الفندق معلنين عن إفلاس آخر ما نملكه من طاقة لهذا اليوم لكن مفاجأة كانت تنتظرني "وتلك هي بيروت".
ونحن ننزل السلم المفضي إلى الشارع سمعت اسم السيد حسن نصر الله بطريقة تمثيلية فانتبهت إلى شلة من الشباب تجلس على السلالم ووجدتني أخبرهم أن جلستهم تثير فضولي فدعوني بمنتهى الكرم إلى مشاركتهم وتبينت في لحظات أن ماسمعته هو تقليد للسيدة ليلى معوض زوجة أحد رؤساء لبنان السابقين وأن الشلة تضم ممثلين فاستأذنت أن أصور الجلسة بكاميرا الفيديو لكني سمعت على الضفة الأخرى من الجلسة فتاة تعترض فتراجعت وأعدت الكاميرا إلى حقيبتها وعندها مال عليّ رفيقي اللبناني متسائلا ألا تعرفين تلك المرأة؟ "إنها سها بشارة" وهل يخفى القمر لقد تابعت قضيتها عن بعد ورأيتها يوم خروجها من معتقل الخيام التابع لقوات الاحتلال الإسرائيلي بالجنوب اللبناني على شاشات التلفزيون بعد عشر سنوات من الاعتقال وكنت قبل سنوات قد زرت المعتقل ورأيت بعيني بشاعته وزنزانة الحبس الانفرادي التي عاشت بها سها لسنوات....
لقد اعتقلت سها في سن الحادية والعشرين ربيعا بعد محاولتها اغتيال قائد ميليشيا جيش لبنان الجنوبي ذراع قوات الاحتلال الاسرائيلي بالجنوب اللبناني بطلقتي مسدس صغير وجهتهما إلى قلبه داخل منزله... كان أول ما تفحصته في سها نظرتها التي وجدتها قاسية في حواراتها التلفزيونية بعد الافراج فوجدت صفاء وابتسامة وألما ولمعانا طاغيا رغم وصفها الذي أختلف معه في مذكراتها التي جاءت بعنوان "مُقاوِمة" حيث تقول "أما الآن، وقد ذهبت من عيني التماعات الطفولة" حتى أني خططت بجانبها..."مش حقيقي" لقد تواصلت مع سها ورقيا بعد لقائها فأبكتني وأنا أُنهي الطبعة الثالثة من مذكراتها الصادرة عن دار الساقي وأحببت صدقها كما أحببت الرأي العام الفرنسي أكثر وكل ضمير ساهم في تخفيف المعاناة عن الأسرى والمعتقلين... لذا أدعوكم لقراءتها...
واقرأ أيضاً:
أيام بيروت السينمائية/ خسارة الصديق هي الحل الوحيد؟