لو حدث ما حدث لي بالأمس قبل سنوات لأصابني الخجل والأسى لأسابيع، ولكنني صرت أكثر تواضعا وقناعة في توقعاتي، وأكثر اعتدالا في مشاعري وردود أفعالي. كانت القاعة كبيرة، ولطيفة النسيم، ومثالية الإضاءة، في ليلة من ليالي الشهر الكريم، ولكنها كانت خاوية أو شبه خاوية!!
كنت قد اهتممت بالدعاية للقاء على الانترنت في مجموعات الاهتمام، وأرسلت ملفات مرفقة بمقالين يتناولان القضية محل النقاش، وفاجأني صديقي ضيف اللقاء بالحضور خصيصا من بلدتنا البعيدة عن القاهرة بساعتين قيادة على الأقل!!
جاء مصطحبا زوجته، ثم جاء أستاذه وأستاذي في التاريخ ليشاركنا اللقاء، وزاد الحضور واحدا بعد الآخر، وأخذت أتفقد الوجوه لأتعرف على بعضها، وكانت الأغلبية الساحقة أراها لأول مرة!!، لكننا والحمد لله بدأنا بأربعة أو خمسة ووصلنا إلى ما يقارب الثلاثين من الحضور.
كنا نتكلم عن التاريخ على خلفية تصريحات بابا الفاتيكان، وبسط صديقي، وأستاذه من بعد، الحوار حول تاريخ الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى، وفي أي سياق جرت تلك المناظرة التي استند إليها بابا الفاتيكان في محاضرته التي أثارت الزوابع. والموضوع كله مثير للاهتمام والتأمل بشأن ما يجري في الحاضر وما يمكن أن يقع في المستقبل!!
حاولت وأحاول تقديم شيء جاد ينقل في الوعي، أو يسير بالإدراك خطوة نحو العمق، وبعيدا عن الصخب والتسطيح السائد غالبا!!
وأمس كان مثالا للنجاح في هذا الصدد، محاضر جاد في موضوع رصين، وأسلوب شيق في الحكي، ومتابعة التفاصيل من هنا وهناك حتى تشجعت واحدة من الحضور لأول مرة، وقدمت تعليقا مطولا ظنته مخالفا للتيار العام للنقاش، ولم يكن كذلك. استدعينا نصوصا في النقاش بعضها قديم، وبعضها جديد، بعضها مرفق، وبعضها لا أجده لأرفقه هنا!!
وطرحنا أسئلة في غاية الأهمية بالنسبة للموضوع وحاضرنا ومستقبلنا، وتابعا خيوطا عدة في علاقة الأديان بالسياسة، والشرق بالغرب، والمصالح بالعقائد، وتناولنا العديد من المسائل التي شعرت أنها تحتاج إلى مزيد من النقاش حول تاريخ حركة الإسلام في العالم وعلاقته بالحضارات والكيانات المختلفة التي مر عليها أو تعامل معها، وهي كلها مساحات جديدة بالنسبة لي، وهامة لكل من يريد أن يفهم شيئا مما يجري، ولكن يبدو أن من يريد أن يفهم قليل، وأن الترفيه صار هو المتاح أكثر، وربما المطلوب عند أناس لا يعملون أصلا فيحتاجون إلى ترفيه!! وربما بعضهم يعمل أكثر مما يحتمل فلا يبقى لديه وقت، أو لا تبقى عنده دماغ -كما نقول- غير لتاريخه هو الشخصي!! وربما هي المشاغل تلو المشاغل!!
المضحك المبكي أن الناس لا تكف عن الكلام في كل شأن دون علم أو عمق، أو بالقليل من هذا وذاك، وبعضهم يتصدر ويخاطب الناس من على المنابر، وهو لا ينشر فيهم إلا الجهل، وبالتالي الضلال!!
ما أكثر اللغو الذي أسمعه، وما أكثر الكلام الإنشائي الذي أراه مصورا، أو أقرأه مكتوبا، وكأنه منزوع المعلومات، أو هو شحيح فيها ومنها!!
ضحكت وأنا أتذكر أننا نعيش في عصر ثقافة المحمول والمنقوووول كما يكتبونها في نهاية الرسالة التي يمررها واحد إلى غيره على الانترنت وتنتشر، وقد تكون مجرد خرافات أو معلومات تبدو منسقة ومرتبة، وهي محض تهريج علمي، أو ترويج لفتن أو أكاذيب، وليس لدى جموع القراء من الخلفية ما يمكن معه الحكم على ما يقرءون، هذا إذا قرءوا أصلا، فهم يمررون دون أن يفهموا أو يدققوا أو يحققوا ما يمررونه. إنهم يمررون، فماذا نقدم لأمة كهذه؟! هل سأتوقف عن الزمر؟ طبعا لأ!!
قول يا رب..
4/10/2006
اقرأ أيضًا:
على باب الله: أنا والجهاد وزويل!!/ على باب الله عن التركيز والنسيان 7/10/2006