كنت في مدونتي الفأر...والفقر... وأنا....ومجانين قد وضحت لكم حالي ولكنني لم أستفض في وصف حالة الفأر إياه...... أتذكر أنه كان في موقفين على الأقل يبدو مرتعدا خائفا وفاقدًا حتى للقدرة على الحركة من شدة خوفه، ولأنه كما خمنت لا يدري أين يختبئ؟! في الموقف الأول كنت قد حاصرته في ركن الغرفة، ولم أقتله حقيقة لأنني متأثرٌ فيما يبدو بما رآه طاووس كوفادًا، وأما الموقف الآخر فكان حين أدخلت له القط السيامي الذي كان أكبر منه خيبة وبدا أكثر خوفا من الفأر!
حدث هذا منذ أكثر من سنة ودونت جزءًا منه على مجانين، لكنني الليلة وأنا أستعد لمغادرة عيادتي سمعت صرخة رئيس التحرير أستاذة نانسي نبيل سألتها ماذا دهاك يا ابنتي؟ فصاحت: "فار يا دكتور فار!" كنت قبل ذلك بحوالي ساعة أسمع جلبة خارج غرفتي وعندما سألت ماذا هنالك عرفت أن سكرتير العيادة وابننا محمد أحمد العامل حديثا معنا في مجانين يقومان بمطاردة فأرٍ تسلل إلى داخل العيادة!...... المهم أنني رأيت أن عليَّ أن أقوم بطرده بنفسي... وإن كان من الواضح أنه يخرج ويعود وهذه علامة خطر فماذا لو دخل غرفتي؟؟
ماذا لو وجدته فجأة يطلع لي فمه أو منخاره من ركن ما وفي الغرفة مريضة أو مريض؟؟ ثم أن في غرفتي مخابئ كثيرة يمكن أن يختفي بها، ونصحتني رئيس التحرير بأن لا أتحرك من مكاني حتى أطفئ جهاز الكومبيوتر وآخذ معي ما آخذه لبيتي وأغلق باب غرفتي جيدا ثم أتصرف بعد ذلك في موضوع الفأر بنفسي إذا أردت.
كان مشهدها وهي خائفة متسمرة في مكانها يضعني في ضرورة أن أفعل... لكنني عندما أغلقت باب غرفتي وخرجت إلى صالة العيادة سائلا إياها إلى أين اتجه الفأر يا نانسي أشارت إلى صف من الكراسي ينتهي بمنضدتيّ كومبيوتر جهازها وجهاز محمد .. المهم أنني انحنيت ونظرت تحت صف الكراسي وفجأة عادت لذاكرتي صورة الفأر الذي رأيته في غرفة نومي منذ ما يزيد على العام وبدا لي أني سأرى فأرا مثله منهكا تائها غبيا متسمرا في ركنٍ من الأركان تحت الكراسي أو منضدة الكومبيوتر، وتعددت تخيلاتي له في زوايا وأركان مختلفة من صالة العيادة... لكنني لم أجده ولا وجده الباشا بواب البناية.
إلا أن ما شغلني طوال طريق العودة إلى بيتي كان مقارنة وجدتها تقفز إلى ذهني ولم أنتبه لها من قبل مقارنة بين ذلك الفأر الذي رأيته منذ أكثر من عام وبين الفئران التي كنت أعرفها وأطاردها وأنا صغير في الحقول وعلى شاطئ بحر "يوسف" في مدينة الفيوم التي عشت فيها طفولتي حتى السنة السادسة الابتدائية، كان الفأر أيامها نظيفا سريعا ذكيا خفيف الحركة سريع البديهة كان من غير الممكن أن يقف مرعوبا أو مترددا إلى أين يتجه؟ فهل كان الفأر قديما مختلفا عن فئران هذه الأيام؟ هل كان الفأر فيما مضى أذكى وأخفَّ وألمع مما هو الآن؟ الظاهر أنه نعم! بحيث كان من الممكن تصوير ذلك في الكاريكاتير المشهور "توم وجيري"!، حيث يتأكد لدى المشاهد أن الفأر على صغر حجمه وضعف بنيته إلا أنه الأحذق والأمهر! كان هذا متماشيا مع فئران زمان لكنه ليس متماشيا مع الفئران الآن فيما يبدو! ولأسباب لا أحسبني أملك أكثر من تصوراتٍ حولها!
هل تطورت أو "حُدِّثت" الفئران ضمن ما تغير من تركيبة البلاد والعباد في منطقتنا؟ هل للمحاصيل الزراعية التي أصبحت إما مهرمنة أو مسممةً بالمبيدات الزراعية وإما مغيرة التركيبة الوراثية أي ملعوب في جيناتها هل أثر ذلك على الفئران؟ فأصبح الفأر بليدًا غبيا واضح الإعياء!
وبوضوحٍ مع النفس أكثر هل يختلف موقف هذا الفأر الذي رأيته أول العام الماضي وتوقعت رؤية مثله الليلة، هل يختلف عن موقف الفئران المحبوسة التي كتب عنها المهديُّ على مجانين؟ وهل تغير نوعية الغذاء الذي تنتجه الأرض بسبب تلوثٍ متعمد أو ناتج عن جهل أو بسببٍ عبث بشري في المجين (الجينوم Genome) النباتي؟ هو السبب فيما آل إليه حال الفئران وحال الإنسان في هذه البلاد؟
هل فعلا هي ردود أفعال الفئران (من نوع آخر فأرٍ رأيته) هي تلك التي نراها مرارا تكرارا من قطاعات عريضة من الشعوب العربية؟ وحكامهم قبلهم طبعا! هل من المعقول أن يكونَ الأمر كذلك هل تغيرت الفئران أصلا أم أنني واهم ؟ وهل تغيرنا نحن على طريقة الفئران ؟؟
تكلمت من قبل عن إزالة التحسس Desensitization والتنظيمَ للأسفل Down-regulation- التي تجرى لنا كشعوب؟ نحن بالتأكيد أحسن حالا من الفئران أو من ذلك الفأر لكن هل عملية إزالة التحسس تلك في طريقها لأن تصبح إزالة تحسس كاملة؟ هل يوما سيصبح الواحد منا قلبا وقالبا كذلك الفأر القميء؟
اقرأ أيضاً:
أقصى؟ حدود الوسوسة! مشاركة / لبنان بعد الحرب السادسة ساقية الصاوي