يقال إن نجاح الإنسان مرتبط إلى حد كبير بقدرته على وضع القناع المناسب في الوقت المناسب. كل الساسة يعرفون ذلك ويفعلونه بمهارة شديدة. وهناك فارق كبير بين أن تتعامل مع كل إنسان أو موقف بالشخصية اللازمة له وبين أن تفعل ذلك دون أن تدرك أنك تفعله.
فعندما تقرر بمحض إرادتك وحريتك أن تضع أحد الأقنعة على وجهك فذلك يكون من قبيل الدبلوماسية أو فن التعامل مع البشر. ولكنك عندما تفعل ذلك دون أن تدرك أنك تفعله، فربما تكون مريضا بمرض تعدد الشخصيات، وهو يختلف عن السكيزوفرينيا. ويطلق على هذا المرض الآن Dissociative Identity Disorder أو DID .
وعادة ما يصاب بهذا المرض من تعرض فى طفولته لصدمة شديدة يعجز عقله عن تحملها، فيلجأ العقل إلى خلق عدة شخصيات مختلفة يغرق فيها الإنسان ويبقي على هذه الصدمة دفينة في العقل الباطن. وكثير من المصابين بهذا المرض لا يشعرون به ولا يشعر من حولهم به.
فهم يتصرفون في إطار كل شخصية دون أن تدرك الشخصيات الأخرى عن وجودها شيئا. وبعضهم يبدأ في تذكر الصدمة تدريجيا عندما ينضج ويستطيع عقله تحملها والتعامل معها. كل ذلك يتم بشكل أوتوماتيكي دون تدخل واعي من الإنسان. وعلاج هذا المرض علاج نفسي بحت لا يعتمد على العقاقير، فهو مرض نفسي وليس عضويا.
هذا عن المرضي أما العادي والطبيعي هو أن يمر كل إنسان بفترة تتعدد فيها شخصياته مؤقتا، ألا وهي مرحلة المراهقة. ففى المراهقة نبدأ في رؤية أنفسنا والناس من حولنا بشكل مختلف. وهنا تثور أسئلة عديدة في رأس كل مراهق، من أنا؟ كيف أثبت ذاتي؟ كيف أثبت أنني كبير بالفعل ولم أعد ذلك الطفل؟ وهنا عادة ما نلجأ إلى تقمص شخصيات كثيرة في أوقات مختلفة.
فمع الأصدقاء يلجأ المراهق لإثبات ذاته بالتفوق عليهم فيما يتفاخرون به، أيا كان موضوع التفاخر. ومع الأهل يريد المراهق أن يثبت لهم أنه أصبح ناضجا وقادرا على اتخاذ قراراته بنفسه، وتحمل مسئوليات كبيرة. كما يحاول دائما اجتذاب الجنس الآخر بتقمص الشخصية التي تعجب الطرف الآخر وتجذبه بشدة.
ولكن بعد المرور بمرحلة المراهقة ينقسم الناس إلى قسمين: أحدهم يظل حبيس الشخصيات التي تقمصها في مراهقته، والآخر يكتشف حقيقة نفسه، وقد يتقمص أو لا يتقمص ولكن بوعي وبقرار حر نابع من ذاته.وإلى اللقاء في العدد القادم مع أبرع محترف في تغيير الأقنعة وقناع الشخصية الهجومية لإخفاء الشخصية الضعيفة.... وربنا يبعت.
واقرأ أيضاً:
خسارة الصديق هي الحل الوحيد؟/ الطفل.. أكبر محترف لتتغيير الأقنعة