لا أعرف لماذا انتابني هذا الشعور بالندم؟ ندم من يشعر بأنه أنفق وقتا طويلا يبحث عن شيء لا يعرفه، وحين وجده لم يعرف كيف يصل إليه!
ما أصعب العيش وأنت تجاهد من أجل لا شيء.
والآن وقد خارت قواي أرى أنه من الحكمة أن أعترف بأن الجميع كانوا على حق، فقد توصلت في النهاية إلى نتيجة واحدة بعد أن أغلقت أمامي كل السبل. أن البحث عن هوية وسط مجتمع فقد هويته ضرب من ضروب الجنون!
ثم أنك في النهاية ستعود صفر اليدين لم تجنِ من وراء هذه التعب الذي يراه الجميع نوعا من الترف أو لنقل فراغا هذا على أحسن تقدير سوى ضياع الوقت.
تذكرت أسطورة سيزيف حين عاقبته الآلهة الإغريقية فقدرت عليه أن يحمل صخرة إلى أعلى قمة جبل وما أن يفعل حتى تتدحرج الصخرة إلى الأسفل فيعود سيزيف ويحملها من جديد وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية. منتهى العبث.
ولو أن ألبير كامو رأى في كتابه أسطورة سيزيف، أن سيزيف يجسد هراء وسخف ولا منطقية ولا عقلانية الحياة الإنسانية، ولكنه يختم بقوله أن المرء لابد أن يتخيل أن سيزيف سعيد مسرور. تماما كما أن النضال والصراع والكفاح ذاته نحو الأعالي والمرتفعات كاف وكفيل بملء فؤاد الإنسان.
في الواقع لا أعرف ربما أرى أنا أيضا في أسطورة سيزيف صراع الفرد المختلف مع أفكار مجتمعه، والذي يناضل من أجل أن يثبت وجهة نظر يؤمن بها هو فقط فهو يسعى بجهد حثيث لدفع صخرته إلى أعلى قمة الجبل لتتدحرج بمجرد وصولها إلى هناك ليبدأ من جديد دون أن يحصل على أي نتيجة تذكر من هذا المجهود العبثي، ولكنني لا أستطيع أن أكون في مثل تفاؤل كامو وأقنع نفسي بهذه السعادة لمجرد أنني أحاول حتى لو فشلت في كل مرة.
الواقع أن الشعور بالخذلان أمر مؤلم مهما حاولنا التظاهر بعكس ذلك، ثم أنك بعد فترة تصل إلى قناعة بأن الاستسلام أمر ممتع وأن سياسة القطيع كثيرا ما تكون مريحة على نحو ما، ولكن هل التمرد هو الحل كما يقول كامو وإن كان ذلك صحيحا فهل سيكون تطبيق ذلك أمرا هينا.
الواقع أنت تشعر بالتعاسة كونك تحيا وأنت تشعر بأنك لست نفسك لا لشيء سوى أنك تريد أن تؤثر السلامة وإلا تصطدم مع أفكار وتقاليد قد تراها بالية ولكنك في الوقت ذاته لا تقوى أن تحيا وبداخلك هذا التناقض بين كونك تتصرف بعكس ما تؤمن به.
تشعر بالأسى على نفسك فأنت تجبرها أن تتخلى عن أحلام قد تراها مشروعة ولكنك أضعف من أن تجعلها قيد التنفيذ.
أحيانا ما أسأل نفسي ما الدافع وراء التغير الذي اعتراني!!، وهل كان ذلك مفيدا لي حقا أم أنه قد زاد من ألمي فحرمني من الاستمتاع بتلك الحياة الهادئة أو لنقل الراكدة، وعلى أي حال فأنا أرى أن ركودها الذي يؤلمني الآن أكثر راحة من تلك العاصفة التي تجتاح روحي وعقلي فتمنعني من الاستمتاع بحياتي حتى وإن اكتشفت سطحيتها وخلوها من المعنى والهدف، فما قيمة أن يكون لك هدف وأنت تعجز عن تحقيقه بل أنت تعجز عن التصريح به. وهكذا أمضي كل يوم من أيام حياتي في طريقي نحو تحقيق اللاشيء.
واقرأ أيضًا:
التي تسُرُّه إذا نظر! مَن وبمَ؟ / مناضلة وعزت القمحاوي......والبرئ