منذ حوالي أربعة أشهر كنت أزور شقيقتي الصغرى المهاجرة في استراليا وزوجها، وفي مطار "برث" بينما كنت أستعد للعودة بعد انتهاء الزيارة كانت شقيقتي وابنتها سلمى الجميلة ابنة التاسعة عشر في وداعي عندما لحق بنا والدها وفي يده طرد صغير كان قد وصل لسلمى على المنزل، الطرد حوى أساور كانت سلمى قد طلبتها عبر الانترنت.. ناولتني واحدة وطلبت مني أن ألبسها وأنا أقدم برنامجي التلفزيوني، وعندما نظرت إلى الإسورة بيضاء اللون وجدت عليها عبارة تقول "اجعل الفقر ذكرى من الماضي"make poverty history”.
ومنذ شهر التقيت مصادفة بالقاضي الشاب "أمير رمزي" شقيق الفنان الشهير "هاني رمزي". بادرني القاضي بسؤال مباشر "هل أنت مهتمة بمحاربة الفقر؟".. كانت المهمة التي لا أدري بالضبط إلى أي مدى يمكن أن تتطور قد بدأت يوم الجمعة الماضي عندما توجهت بقطار الدرجة الثانية إلى الصعيد مع مجموعة من المسيحيين الأقباط لإجراء دراسة حالة لأناس يعيشون تحت خط الفقر بهدف إيجاد وسائل لتطوير حياتهم بأبسط السبل الممكنة، وكان نصيبي من جدول أعمال المجموعة هو قرية "مسارة" بديروط محافظة أسيوط لزيارة ثماني أسر فماذا رأيت؟
رأيت بيوتا كثيرة من غرفة واحدة أو اثنتين بعضها بلا سقف، وكلها بلا كهرباء ولا ماء ولا حمامات أو حتى مكان لقضاء الحاجة، مجرد حوائط مبنية على التراب، رأيت جلاليب مهلهلة ووجوه ودودة باسمة لمصريين تنفق عليهم الكنيسة وتعلمهم في ذات الوقت التسامح الذي هو من تعاليم الديانة المسيحية، رأيت بشرا معدمين، ولكنهم طيبون لهم قلوب ومشاعر وأحلام كأي بشر، ولكنهم لا يعيشون كالبشر، تألمت ووجدت صديقي المؤرخ يقول لي إن الفقر في مصر ليس بالشيء الجديد، الشعب المصري عاش فقيرا على مدار تاريخه، وحدثتني نفسي أن التغيير الوحيد هو أن الفقر في ازدياد مستمر، تذكرت كلمة "رعاياك يا مولاي" التي قيلت للملك فاروق مع صور فوتوغرافية نشرت لفقراء ذلك الزمان، وتذكرت مشروع مقاومة الحفاء الذي جرى في العصر الملكي.
تألمت حقا، وخطر على بالي أن أضيف لشعار ضد الفساد الذي أضعه على صدري شعارا جديدا "ضد الفقر"، ضحكت من نفسي ومن الفكرة، فبعد قليل سأتحول إلى متحف شعارات متحرك يشبه الأوسمة العسكرية التي يرتديها الجنرالات في المناسبات الرسمية، أو المجاذيب في الموالد، ولكن كل ما أعرفه أني سأحاول أنا أيضا مكافحة الفقر مع هؤلاء النبلاء، وسأنشر الفكرة لتغطي أكبر عدد من المصريين من كل ملة ودين، وسأطلب المساعدة من الله، ومن كل معارفي وأصدقائي، ومن كل من يقرأ هذه الكلمات، وسأضع شعارا جديدا، ليس على صدري ولكن في قلب قلبي، في هذه الدنيا.. لحرب ضد الفقر من أجل مواطن مصري جميل غير محسوب في التعداد مهمة صعبة، ولكن.. ولأن العزيمة موجودة، فلا يوجد مستحيل.
اقرأ أيضاً:
إن شاء الله حنكسب/ دومة في نافوخ الطوارئ