منذ حوالي أسبوعين، (في 26 -3)، كتب رئيس تحرير الدستور مقالا بعنوان: "من هو الشخص المعتوه الذي يريد أن تعلن مصر الحرب على إسرائيل؟"، وجدت نفسي أجيبه بما لي من حق على مرضاي، وما تعلمتُ منهم، وما شرفتُ به في صحبتهم، أنني – غالبا – هو هذا الشخص، مع أنني من أوائل من أعلن –من الناس العاديين!- ترحيبه بمعاهدة السلام، بشروطي.
قيل وكيف كان ذلك؟
خلّنا أولا في مقال رئيس التحرير حين يضيف: "لا أعتقد أن هناك شخصًا في كامل قواه العقلية يتصور أو يتخيل فضلاً عن أن يطلب، أن تحارب مصر إسرائيل"، فيصلني أنه خفف جرعة اتهامه لي شخصيا بالعته، ذلك أن تعبير "ليس في كامل قواه العقلية" هو تعبير واقعي أكثر، لأنه لا أحد يستطيع أن يزعم في هذه الأيام في هذه الظروف أنه – ولا مؤاخذة - "في كامل قواه العقلية"، قد يستطيع أن "يسيّر حاله" بما تبقى له من قوى عقلية، أما أن يتصور أحدنا أنه في كامل قواه العقلية، فهذا أمر يعرضه للاعتقال في مستشفى للأمراض العقلية، ثم يمضى رئيس التحرير في التعميم ناسيا حقي في الاختلاف (بأمارة الديمقراطية جدا) قائلا: "..... لم يطالب أي عاقل الحكم في مصر بإعلان الحرب على إسرائيل،.."، إلى أن قال من جديد "...يا نهار إسود ومنيل، وهل فيه واحد عايز لمصر أن تعملها وتحارب؟ ليه اتهبل ولا أتخبل!"، واحده واحده يا رجل، فهناك واحد على الأقل: هو أنا.
حين أيدت – مثل نجيب محفوظ - معاهدة السلام كنت أوافق على شجاعة إعلان "الاستسلام" وليس على أن تتوقف حروبنا معهم إلى نهاية الدنيا، البند الوحيد الذي رفضته (وهو يستحيل أن يكون بندا، فلعله مناورة شفهية) هو مسألة إعلان أن حرب 1973 هي آخر الحروب!! لا نهاية للحروب إلا بقيام القيامة، نحن نحارب طالما نحن نحيا، نحارب عبر تاريخ البقاء، نحارب من أجل حق الحياة، فليكن السلام هو إلقاء السلاح مؤقتا، لكنه ليس في مقدور أية معاهدة حتى لو كانت وثيقة استسلام، أن تعلن موعد آخر الحروب. اطمأننت إلى موقفي هذا أكثر حين قرأت بعض كتاب المرحوم محمود عوض (اليوم السابع)، عرفت كيف أن الحرب لم تتوقف أبدا منذ قرار الانسحاب الغبي، لم أكمل الكتاب بعد، وسوف أعود للتعليق عليه.
لم يعد يصلح أن نقصر تعريف الحرب على أنها "نزاع مسلح يقوم على استخدام القوة المسلحة باستخدام مجموعات مسلحة منظمة تسمى جيوش نظامية"، بشاعة الحروب السلاحية وخسائرها يستحيل أن يهون أحد من حجمها، وخطرها، وفداحة خسائرها حتى لو كان منتصرا، لا أحد يرجوا أو يقبل، ناهيك عن أن يتمنى أن تخوض بلاده حربا بالسلاح "يا قاتل يا مقتول"، خاصة بعد أن تطورت الأسلحة لتصبح قادرة ليس فقط على كسر قوة جيش العدو، وإنما على إذلال كرامة الشعب برمته، وسحق وجوده، واستغلال ثرواته، وتقزيم نوعه، ومحو ثقافته، ومع ذلك، ولذلك، فالحروب مستمرة،!!! دون حاجة إلى إعلان آخر، وهى حروب متنوعة التجليات والأشكال لكنها لا تستبعد استعمال السلاح. أعرف أنه لا يحق لي قول ذلك وأنا جالس على مكتبي مكيف الهواء، وقد قاربت الثمانين، لم "أختبر"، ولكن ماذا أفعل وهذا هو ما عندي.
إسرائيل تعلم جيدا أن الحرب لم تنته، ولذلك فهي تصر على التطبيع لتصدق، وأصلاً لتقنعنا أن الحرب انتهت فعلا، هي لم تتوقف عن الحرب أبدا، فهي تعلم أن معاهدة السلام لم تنِه الحرب، حتى لو ظل وهم إشاعة "آخر الحروب" قائما، رجحتُ أن ذلك كان "مناورة كلامية" من السادات ليس إلا، وكنت أرجح أيضا أنه سوف يرجع في كلامه، وقد كان "سيد من يرجع في كلامه" (عادة مشهورة ومحمودة عند الفلاح المصري!)، وربما لهذا اغتالته أمريكا، فكيف بالله عليك يا أبا يحيى تتمادى أنت وتعتبرها آخر الحروب، بما يسمح لك أن تتهمني شخصيا بالبله، والهبل، والخبل، إذا ما خالفت رأيك؟
نحن لا نحتاج يا سيدي أن نعلن حربا جديدا، كل ما نحتاجه هو أن ننسى حكاية آخر الحروب المزعومة هذه، ننساها من واقع الممارسة وليس من واقع إعلان حرب جديدة.
الحياة كلها، طولا وعرضا ليست إلا حربا ضروسا طول الوقت، تختلف أشكال الحرب وتجلياتها باختلاف الزمان والمكان والأدوات، وأيضا باختلاف الظروف والدافع والتبرير.
وإلى الأسبوع القادم، ما لم يحل دون ذلك إعلان الحرب، أو حلول الأجل!.
نشرت في الدستور بتاريخ 14 -4-2010
اقرأ أيضا:
تعتعة: هل ماتت الدهشة فينا من فرط الاستقرار؟ / كل القلم ما اتْقَصَفِ، يطلعْ لُه سِنّ جديد!! / ثقافة السلام للاسترخاء وثقافة الحرب للبقاء!