ثقافة السلام للاسترخاء وثقافة الحرب للبقاء!

 لا يوجد شيء اسمه السلام بالمعنى السطحي الشائع، قد توجد معاهدة سلام، موقع عليها من حَسَنِى النية، ومنافقين، وجبناء، وخبثاء، وسذج، ودهاه، ومنتفعين: على الجانبين، كما توجد جوائز للسلام، نوبل وغير نوبل، وأيضا يوجد مبعوث للسلام، ومفاوضات عن السلام، لكن الحديث عن "ثقافة السلام"، هو أمر آخر تماما. (أذكركم أنني من مؤيدي معاهدة السلام بشروطي كما جاء في التعتعة السابقة).
 
 ما يهمني في تعريف كلمة "ثقافة" (من بين مئات التعريفات) هو علاقتها بما يسمى الوعي، وما يسمى التطور. الثقافة التي أتكلم عنها ليس لها علاقة بوزارة الثقافة، ولا بالمجلس الأعلى للثقافة،... إلخ، الثقافة التي أتحدث عنها هي جُـماع وعى مجموعة من الناس (وأيضا هي منظومة جماعية لأي كائن حي) في فترة زمنية معينة، يعيشون معا على مساحة أرض محددة. بهذا التوصيف يمكن بكل ثقة أن ننكر أن من تبقى حيا حتى الآن لم يقع في مصيدة "ثقافة السلام" وإلا لانقرض لو تشكل وعيه (بكل معاني الوعي) بمثل ما نسميه جهلا أو خبثا: "ثقافة السلام"، التطور كله سلسلة من الحروب ليس بالمعنى القديم "البقاء للأقوى"، ولكن بما توصل إليه العلم مؤخرا، من أن البقاء للأكثر قدرة على التكافل والتلاؤم والإبداع (لكنها حروب أيضا).
 
 قلت في التعتعة السابقة إن إسرائيل أكثر حرصا على التطبيع من حرصها على التطبيق الإجرائي لبنود معاهدة السلام، التطبيع هو أملها في إشاعة ما يسمى "ثقافة السلام" بالمعنى السلبي لصالحها. كيف يمكن أن تكون هناك ثقافة للسلام بين مجموعات من البشر، أو من الدول، يسعون لتشكيل وعى مشترك في مواجهة تحديات الحياة، وصراع البقاء معا، في حين أن بعض مكونات هذا الوعي تمتلك هذا العدد من القنابل الذرية، والأسلحة الغبية، بينما البعض الآخر يمنع عن مجرد محاولة الاقتراب من أخذ نصيبه من الطاقة أو مقومات القوة الحامية لبقائه حيا (ولو ليشارك في الثقافة الجديدة)؟؟
 
 ثقافة السلام التي يحاولون إعادة رسم خريطة وجودنا بها، هي إعادة تشكيل وعينا –دونهم- بما يجعله وعيا ساكنا مبتسما مسترخيا، ضاربا "تعظيم سلام" لمن عنده مفاتيح الحرب والسلام. لا جدوى لمنتصر من توقيع معاهدة سلام إلا إذا نجح في استعمالها أداة تساعده على ترسيخ ما يسميه "ثقافة للسلام" ليضمن من خلالها أنه "لا حرب بعد اليوم"، ليس فقط بتجنب إعلان الحرب، وإنما بالاستسلام غير المتكافئ، ومن ثم الانمحاء في ثقافة عامة تنفى وجود بعض أجزائها لحساب سيطرة أجزاء أخرى، دون صراع حالي أو محتمل.
 
 الوعي المطلوب تدعيمه حاليا يتشكل من مستويين: الأول، يمارس ثقافة السلام الهادئ الناعم المتطبع المبتسم في بله، وهو مستوى الدعة، والقبلات المتبادلة، والأحضان الحارة، ومؤتمرات القمة، والانتظار بجوار الهاتف للتأكد من موعد إعداد موائد المواد الأولية ومشروبات الطاقة الجاهزة.
 
 أما المستوى الآخر فهو مستوى التفوق القاهر الآمِر، وهو يملك القنبلة الذرية، وكل أدوات الدمار الشامل ومخاطر الانقراض، مدعوما بكل ما تستطيع المؤسسات المتآمرة معه والمؤيدة له أن توفره له من مال، وسلاح، وإعلام، وحتى إبداع.، على ألا يسمح بحرب بين الجانبين، إلا دوريات التأديب والإصلاح والإذلال المعلن والخفي من الأخير للأول لمحو وجوده، وسحق مقامته.
 
 لا يوجد شيء اسمه ثقافة السلام، بل يمكن التمادي للقول أنه لا يوجد شيء اسمه السلام، اللهم إلا مجرد "سكتة" بين حربين. الحياة هي سلسلة من الحروب المتصلة، والسلام ليس إلا فترة محدودة من الحرب الكامنة تمهيدا للحرب التالية، وهكذا.
 
 حين تنقلب هذه السكتة المؤقتة إلى نهاية ساكنة، تسوَّق على أنها غاية المراد ونهاية المطاف، فتكلم عن "ثقافة السلام" كما تشاء، ولا عزاء للمخدرين في ابتسام ذاهل.
 
 وبعد.......
 إذا أرادوا المستحيل لتحقيق ثقافة حقيقية جديدة نتيجة لإفاقة تطورية، من واقع آلام متجددة من حروب ظالمة وغبية، فلا بد من محاولة تحقيق ما يلي:
 
 أولا: التسليم بالقبول بحروب من نوع آخر لا تستعمل فيها الأسلحة المعروفة حتى الآن.
 
 ثانيا: يترتب على ذلك أن تسلم إسرائيل كل أسلحتها الذرية، وتهدى علماءها في هذا المجال إلى البلاد المتخلفة مثل أمريكا (يقاس تخلف أي بلد بمقدار ما تملك من أسلحة دمار أولها الأسلحة الذرية)
 
 ثالثا: التسليم بمبدأ:أنه لن تنتهي حرب إلا إلى حرب، مع احتمال فترة سلام بينهما للإعداد للحرب القادمة
 
 رابعا: التسليم بأن ثقافة الحرب هي ثقافة البقاء، ومن ثم: البحث عن أنواع أخرى من الحروب،
 ......
 
 وكل هذا يحتاج لتوضيح لاحق بإذن الله.
 
 نشرت في الدستور بتاريخ 21 -4-2010
 
اقرأ أيضا: 
كل القلم ما اتْقَصَفِ، يطلعْ لُه سِنّ جديد!! / الحروب مستمرة، لا تحتاج إلى إعلان جديد:! / كل شيء هادئ في الميدان الشرقي!!