في تاريخ 11/ 02/ 2002، رأيت في منامي أني في منطقة أوروبيّة من العالم. وأني أسكن مع بعض الأصحاب في منزل جامعي، وكنّا نمرّ إلى دار واسعة في أحد المباني. وكان الشّبان والشّابات من مختلف الجنسيّات يلعبون لعبة فيها تمثيل.
أخذت أنظر إليهم، فوجدت أن بعضهم أخذ يتطوّر بشكلٍ دراماتيكي إلى أشكال إنسان ولكن، متجهة إلى صور بشريّة مختلفة. فمنهم من أخذت علامات وجهه بالتّحوّل إلى الاستدارة، ومنهم إلى الاستطالة، والآخرون إلى الأشكال البيضاويّة.
فاستفقت من نومي مرعوباً من هذه الرّؤيا، حيث كان وقتها قريباً جدّاً من الفجر. وكنت أقول في نفسي: أنا مع نظريّة "داروين" للتطور البيولوجي للمخلوقات.
والتّفسير هو: إن بعض الناس الذين شتّوا عن الطريق المستقيم أخذوا يتصرّفون تصرّفات معينة، بعيدة عما أمر الله. وكل عمل تتبعه تعابير وجه منسجمة. فلو وضعنا هذه التعابير على الكومبيوتر وأخذنا نسرّع تكوّنها ونقوّيها شيئاً فشيئاً؛ لوجدنا أن هذا الإنسان سوف يتحوّل بعد ملايين السنين إلى كائن يشبه الكائن البشري، ولكن مع بعد الزمن لن تكون عنده كل خصائص البشرية.
بل يبقى على وظائف أساسية فتقوى عنده وأخرى لا يستعملها فتندثر. وتبقى البشرية مشتركة معه بالقلب، والرئتين، والقدمين، ولربما تندثر اليدين إذا لم يستعملهما، أو ربما تتحول إلى زعانف إذا ركّز على السّباحة. أما بالنسبة إلى تعابير الوجه؛ فسوف تتحول حسب مقتضيات حاجاته وتفكيره إلى قرد، خنزير، سمكة، حمار، حصان...
والآن: إذا ما سألت نفسي هل أنا فعلاً مع هذه النظرية؟! أم أنها فقط للتنظير؟! لقلت مدافعاً: وهل أن الفاكهة والخضار، التي نراها أمام أعيننا تتطور بشكل دراماتيكي بمساعدة الإنسان، إلى أشكال لم تكن معروفة من قبل جيل واحد من البشرية، ما زالت محتفظة بخصائصها؟؟.
فربما جدّي نفسه لم يكن يعرف بوجود "الكلمنتين" منذ سبعين سنة. حتى نحن، نقول إن "الفريز" الذي نراه اليوم لم يكن موجوداً منذ نعومة أظافرنا، لا بل منذ شبابنا. فما نراه اليوم شكلاً يشبه "الفريز" بلونه وبعض الخصائص التي حوفظ عليها فيه، ولكنه أضخم، وأقسى من "الفريز" بكثير، حتى بات يشبه "الكاوتشوك".
وهناك بعض الفاكهة التي لا تستطيع أن تميّز كونها من الكاوتشوك أم طبيعية؛ إلا إذا تذوّقت طعمها. ومنها حتى وإن تذوّقت طعمها لا تعرف أكانت "كاوتشوك" أم طبيعيّة؟!
"كالبندورة" مثلاً وغيرها وغيرها من الفاكهة والخضار...
وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحيوانات. فقد توصّلت الدولة في أميركا إلى منع بعض المزارعين من كتابة كلمة "دجاج" على بعض منتجاتهم التي كانت تسمّى "دجاجاً". فقد أصبحت الدجاجة عندهم دون جوانح البتّة ولا ريش ولا حتى منقار، حتى أن القدمين أضحت قصيرة بشكل واضح. ولم يبقى من الدجاجة إلا القفص الصدري والأفخاذ. فسألت الدولة هؤلاء المزارعين: أهذا دجاجاً؟! وأجبرتهم بعد ذلك على كتابة عبارة "من مشتقات الدجاج" على المنتوج الجديد.
أما الإنسان، فإذا تركنا له المجال للدخول في مراحل الاستنساخ والتصنيع كما هو الأمر بالنسبة إلى الحيوانات والنباتات؛ فسوف لن نترك له الوقت لكي تتحول بعد مليون سنة، كل فرقة من الناس إلى صور قردة وخنازير ودبابير وثعابين وأفاعي وحمير –وبلاوي-... ولكن سوف نختصر عليه الزمن، ونسرعه لكي يصل كل فريق إلى نقطة اللاعودة في التحول. وهذه النقطة تبدأ، باعتقادي، عندما يصل الإنسان إلى نقطة انسلاخ الله سبحانه وتعالى كلياً من قلبه.
عندها يتحول إلى كائن حي يفكر كالحمار أو الخنزير أو الدّبّور أو النمل أو النحل... فيأخذ شكله يتطور باتجاه المخلوق الذي يفكر مثله وبعد آلاف أو ملايين السنين سوف نجد أنه وصل إلى الشكل النهائي الذي ينطبق مع الكائن التائق إليه.
وليس من الضروري أن يفقد الإنسان النظام أو الترتيب أو حسن التفاعل مع الآخرين كي يتحول. ولكن فقط عليه أن يفقد الروح الإلهية من قلبه. فلو نظرنا إلى خلية النحل، أو النمل أو غيرها من فِرَق الحيوانات، لوجدنا أنها في غاية النظام والدقة في تعاطيها الاجتماعي، ولكنها فاقدة تماماً لما هو إلهي فيها من حُبّ الله وعبادته إراديّاً. فالله أكبر، إن أسمى ما طُلِبَ من الإنسان هو وظيفة العبوديّة لله.
وإذا انسلخت عنه هذه الصفة سوف يتحوّل إلى كائنات أخرى وبلا رجعة، أي أنه يصل إلى نقطة من الانسلاخ عن الإنسانية لا يستطيع العودة منها إلى الخلف ليتطوّر إلى إنسان. بل يكمل الطريق إلى شكل الحيوانات أو الكائنات الجديدة التي يتوق إليها ولا يستطيع العودة بالارتقاء إلى الأنسنة، حيث يكون عندها قد فقد البذرة الإنسانية، الروح الإنسانية، ولا تعني كلمة إنسانية كما نفهمها بالعاميّة عندما تقول للآخرين: "كن إنسانيّاً بتعاملك مع الغير".
فتجد بعضهم يقول، إن الله، سبحانه وتعالى، ليس بحاجة إلى عبادتنا ولكنه يريدنا أن نتعامل إنسانياً مع بعضنا البعض. فأقول، ومهما تسامينا في حسن التعامل مع بعضنا فسوف لن نرقى إلى مستوى أضعف الحيوانات. فلننظر فقط إلى النمل، -والحمد لله لوجود الساتيلايت الذي ينقل لنا الصور العديدة- نرى أن بعضها يضحّي أمام ممرّ المياه بنفسه حين يتكاتف ويصنع جسراً من جسده ليعبر عليه الباقين.
ونرى كيف أنهم يتبادلون الأدوار، قسم تحت الماء، يخرج هذا القسم إلى فوق فينزل آخرون مكانهم، وكثير منهم يضحّون بأنفسهم في سبيل الآخرين ويموتون غرقاً، ولا يسألون الأجر ولا يطالبون حتى بإقامة نصب الجندي المجهول.
كما وأنّ الحارسات في خليّة النّحل تدافع عن القفير، حين تلدغ المهاجمين وتموت من غير أي تردّد "كي يسلم الآخرون". أتريدون أن نسمّي تصرّف النمل أو النحل هذا تصرفاً إنسانياً؟! بل هو تصرف نمليّ ونحليّ!.
كما وأن العنكبوت الأم تقدم جسدها غذاءً لأطفالها عندما لا تستطيع أن تقدّم لهم المزيد من الطعام. فالأم التي تضحّي في سبيل أولادها من غير أن ترقى إلى مستوى إطعام لحمها وإفناء حياتها في سبيل تغذيتهم، أيكون عملها عملاً إنسانياًّ؟! أم عملاً عنكبوتياً!؟ ولذلك الله جلّ جلاله وضعهم مثلاً في القرآن الكريم حين أنزل سورة النمل وسورة النحل وسورة العنكبوت.
إذاً فما هي الأنسنة ومتى نطلق على الإنسان عبارة "إنسان"؟ الأنسنة بتصوّري هي العبوديّة. وقد قالها الباري عزّ وجلّ: "ما خلقت الإنس والجنّ إلا ليعبدون". وليس ليتفانوا الواحد في سبيل الآخر كما يطمح الآخرون. وبالعبادة والعبوديّة لله فقط نسمو ونرتقي ونستحق عبارة "إنسان". وإلا فلنكن عناكباً، أو نملاً، أو نحلاً، أو قردة، أو خنازير، أو غيره مما يتوق البعض إلى الوصول إليه.
وقد يصل البعض إلى صور تُحسن عندها القردة والخنازير.
فلنتب، ولنتقّ الله الذي أنزل أيضاً في كتابه الكريم سورة "الإنسان" ليضرب الأمثال لألي الألباب لعلهم يتفكّرون.
فسبحانك اللهم ما أظلم عبادك بابتعادهم عنك وعن خطّك السامي الذي رسمته لهم.
وكيف أنك تمهلهم كي لا يتحوّلوا بسرعة إلى الأشكال الأخرى من الكائنات.
ولكن إلى متى سوف يمتد صبرك يا كريم؟
يا كريم
يا كريم
يا أرحم الراحمين.
أخيراً، أسأل نفسي: هل أنا فعلاً مع نظرية التطور لـ"داروين"؟! والجواب طبعاً لا! لأنه وإذا كان هذا هو ناموس الحياة فكان ليقصّه علينا بعض الأنبياء والمرسلين. إنما حللته في هذا المقال هو فقط لإلقاء الضوء على معنى الأنسنة والإنسانية والتي أبعدها شيطان البعض عن منحى العبودية السّامية لله عزّ وجلّ. فيدلّهم على الشّرك بالله بأن يتخذوا آلهة مختلفين منهم السلطان أو المال أو الهوى. "أرأيت من اتخذ إلهه هواه".
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
عرنابا 11/ 02/ 2002
واقرأ أيضاً:
رمضان والكهرباء في لبنان / لقد أكل الحملان الذئب!!! / ماء... مّــاء... مّـــاء... كهربــاء
اقرأ أيضاً:
لقد أكل الحملان الذئب!!!/ ماء... مّــاء... مّـــاء... كهربــاء/ نملة في المغسلة/ نملة في المغسلة مشاركة/ الإنسانيّة... إلى أين؟/ رمضان والكهرباء في لبنان