كان يمكن أن تمر الليلة على أحسن ما يكون، وقد مر أغلبها!!
مبادرات دعم لبنان، أو ما حضر منها، ومن تكلم أجاد، والليلة من العشر الأواخر المباركات، ونصرة الحق فريضة مثل الصلاة، وليست أقل من الذكر أو التسبيح. لكنني أعشق تلك اللقاءات العامة المفتوحة لأنها تحمل من المفاجآت والرسائل الأهلية، والنفحات الربانية ما يبدد رتابة الحياة اليومية، وإيقاع التيه والتلعثم!!
منحة الأمس كانت ذلك الطبيب العراقي الذي عندما أخذ الكلمة لم يتركها إلا وقد لفت أنظار الحاضرين واهتمامهم لما يحدث في بلده الغالي علينا جميعا. أعلم وسمعت وأشرت في بعض مدوناتي إلى أن ما يحدث في العراق مجيد من جهة المقاومة الشرسة التي أحرجت الأمريكان وتوشك أن تخرجهم، وبشع من جهة نجاح الاحتلال في إشعال نار الحرب والقتل على المذهب بين الشيعة والسنة!!
معروف طبعا أنه في ظل هيمنة أمريكية، وحكومة ذات أغلبية شيعية، وميلشيات رسمية، وغير رسمية، وعصابات إجرامية تحت شعارات مذهبية، مفهوم أن تكون الأغلبية من القتلى من السنة، وأغلبية شعارات القتل هي شيعية، وإن كان الإجرام لا يحتاج إلى شعارات، ولا يعجز في البحث عن مبررات!!
ولا يبتعد هذا عن القتل الذي كان يجري في عهد "صدام"، والحرب التي خاضها ضد إيران لعدة سنوات بحيث كبدت البلدين خسائر فادحة جدا في الأرواح والأموال، وكانت أمريكا تساعد الطرفين، وكانت دول الخليج تصب المال صبا في حجر صدام ليشتري المزيد من السلاح، ويقتل المزيد من أهل إيران، وهذا كله تجهله أجيال كاملة من عرب ومسلمي اليوم!!
وعند البعض فإنه قد دقت ساعة الانتقام لشهداء تلك الحرب!! كيف؟!
طبقا لهذا المنطق الخبيث يتم بقتل العراقيين السنة على الهوية، وبالسيوف، أو بالحرق، أو بغير ذلك من البشاعات، وبتمكين أمريكي، ورضا إيراني، إن لم يكن مشاركة مباشرة!!
هدف الأمريكان من هذا الإجرام الوحشي واضح لكل ذي عينين فهم وإن بقي العراق دولة واحدة إلا أن المطلوب هو التمزيق والانهيار الكامل لهذا البلد الواعد، أو الذي كان وظل واعدا رغم المحن!!
والمطلوب تدمير العراق كله، وسحقه كله، ولما فشل الاحتلال في هذا جاء إفساح المجال للطائفية لتحقق ما عجز عنه قرابة الثلاثة أرباع مليون جندي أمريكي!!
هذا العراق الأبي العنيد الذي لا يلين ولا يهدأ ولا يستكين لمستبد محلي، ولا غاصب أجنبي، هذه الروح مطلوب لها ومنها أن تزول ولا تبقى، وعندها لا يبيت في الحظيرة إلا الخنازير بعد قتل الجياد الجامحة، والثيران القوية!!
وبعض المرتزقة والسذج والمتعصبين تحت ديباجات ولافتات مذهبية هم أدوات هذا التطهير العراقي المذهبي الذي هو في عداد الجرائم ضد الإنسانية، ورعاية أمريكا له هي جريمة دولية ينبغي ملاحقتها عليها.
وإذا كان سنة العراق اليوم هم الضحية في هذه المرحلة السوداء من تاريخ العراق، فليس بعيدا أن يتغير المشهد غدا، أو عند الضرورة، عندما تخالف الحكومة الحالية ما يريده الأمريكان أو تفشل في قمع وتجميد المقاومة، وعندها قد تفكر أمريكا في تبديل الأدوار، ووقتها لن يعدم العراق صداما جديدا، وربما هو نفسه يعاد تنصيبه برعاية- أمريكية ويعود ليمارس القتل والتنكيل ضد الشيعة وغيرهم، فهو لم يكن غير مجرم ضد الجميع!!
أما لهذا الليل من آخر؟!
إلى متى سنظل وقودا في حروب بالوكالة؟!
إلى متى سنظل في ذيل الأمم، ونحن نستمسك بالعنصرية والمذهبية، ونتعصب للطائفة والعشيرة على حساب الحق والعدل ومصلحة الأوطان، وسلامة البشر في حياتهم وسعيهم؟!!
إلى متى سنظل في هذا النتن نغرق وندور؟! والعالم من حولنا يجتمع على مشتركات من المصالح والمبادئ والمنافع هي أقل بكثير مما بيننا نحن كعرب أو المسلمين أو المواطنين في أي قطر من أقطارنا؟!
هذه الصفحات السوداء لابد من أن تطوى، وهذه العقول المريضة لابد من علاجها، وهذه الجراح لابد من تضميدها!!
قلت للطبيب العراقي: سيدي.. لو عندك جمعية أهلية أو أكثر تكفل لنا في العراق المكان والأمان فنحن مستعدون للذهاب فورا من أجل جهود المساندة النفسية لمتضرري الحروب والكوارث، أما إذا لم يكن هذا متاحا فسيظل العراق في قلوبنا وعقولنا نزيفا داخليا، ووجعا مبرحا!!
16/10/2006
واقرأ أيضًا:
على باب الله: رائحة العيد / على باب الله: إنقاذ الإيمان