مضى رمضان بكل ما حمله ويمثله، ولم أجد عندي فيه رغبة ولا وقتا لأنظر فيما عرضته الشاشات، ويبدو أن بعضه كان مملا، والبعض الآخر كان مثيرا للجدل كالعادة.
الخطير أو بعض ما قام به بعض الزملاء في قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر حول التأثير النفسي والاجتماعي للدراما التليفزيونية، وخاصة على العلاقات الأسرية، وهو ما سعيت لنشره على "مجانين" لتعميم الفائدة، ولإشاعة سنة حسنة هي أن تباشر الجامعة دراسة أحوال المجتمع الذي تعيش فيه، فهذا بعض دورها الأصيل الذي تراجعت عنه، وهجرته أغلب الجامعات العربية!! الذي لمع في ذهني أن أغلب البرامج الدينية الخالية إنما تهدف إلى ما يمكن تسميته حماية أو تثبيت أو إنقاذ الإيمان.
فهناك مناخ شائع من الشعور بالتهديد، وتفشي الخوف على الإنسان وعلى الإيمان، وعلى الأخلاق، ويصاحب هذه المشاعر شكل من التدين المتوتر والغاضب بحيث يبحث عن مناحة أو مناسبة للطم الخدود، وشق الجيب، ورفع الصوت بالنحيب في طقوس تشبه تراث "العديد" الذي كان سائدا في قرى مصر ونجوعها حتى عقود مضت، ثم يكاد ينفرد بتأثير عوامل كثيرة!!
أو هو مثل طقوس البكائيات في مجالس العزاء الحسينية، ولكنه أصبح طقسا تشترك الملايين في أداءه عقب كل حادثة نرى أو يرى بعضنا أنها تحمل "إساءة" للدين، وكأنه يوجد مسار لدين أو فكرة دون أشواك أو أحجار أو إساءات!!
ولا مانع أيضا من أن يكون هناك خلط، ونحن أساتذة في الخلط، بين ما هو خلاف في رأي، أو محاولة اجتهاد موفقة أو خائبة، وبين ما هو إساءة فعلا!!
ويرى البعض أن هذا الذي يحدث من شيوع "العديد" والخلط وغيرهما إنما هي أعراض للحالة المزرية التي وصلت إليها علاقتنا بالعقل والعقلانية، أو التفكير، والمعرفة النقدية، والنظرة المتعمقة للأمور. وطبيعي هنا أن نفتقد للحوار الموضوعي، ونحصد بدلا منه المهاترات>
وأصبح ممكنا أن يقول أي أحد أي شيء، وينشر كلامه مطبوعا أو مرقمنا على فضاء الإنترنت ويتناقله الجمهور بدون أي توثيق أو تمحيص فيصبح الجهل شائعا بضغطة.
البرامج الدينية أغلبها متورط في نفس هذه المفارقة أو المفارقات، وعامة الخطاب الديني المتداول يجعل من أهم أهدافه إنقاذ الإيمان "المهدد"، وإشباع الجهل الشائع بمعلومات بسيطة تتوجه إلى جمهور يتصوره هذا الخطاب السائد جمهورا ناقص الوعي والإيمان، يحتاج من جديد إلى أدلة على أن الله موجود وعظيم وقادر، أو أن الإسلام هو الدين الحق، وأن فيه الخير لمن يتبعه!!
وربما أن الناس يشعرون بأن إيمانهم يكاد يختنق وسط ركام الشبهات والشهوات المحيط بهم، وربما أن سوء التعليم وهشاشة التكوين المعرفي والروحي يجعلان من الفرد المسلم المعاصر مرعوبا وسط عالم متقلب ومفتوح!!
ولكن هل المحافظة على الإيمان وإنقاذه يكفي لها مجرد الرقائق أو المواعظ أو سرد دلائل الإعجاز؟!
هل تكفي العواطف وتنميتها لمواجهة التحديات التي هي تحيط بالإيمان من كل اتجاه فعلا!!
هل يمكن إنقاذ الإيمان دون إيقاظ للعقل من سباته، ومحاربة للخرافة، وللتعصب الفكري لرأي واحد بوصفه الحقيقة النهائية!!
هل يكن إنقاذ الإيمان دون إحياء للإبداع والاجتهاد وتمجيد للعلم والعلماء في كل ميدان؟1
هل يمكن إنقاذ الإيمان دون فنون راقية، ومعارف سامية متنوعة، ونظر في الكون وقوانينه وسننه؟!
هل يمكن إنقاذ الإيمان دون حوار وجهاد من أجل العدل والعدالة الاجتماعية والسياسية والدولية؟!
هل يمكن إنقاذ الإيمان دون تكوين لهياكل، واستدعاء وبناء ممارسات تجعل للإيمان السليم وجوده وتجلياته في حياة الناس اليومية؟!
هل يمكن إنقاذ الإيمان دون التصدي للطواغيت باسم الدين، أو الطواغيت باسم السلطان؟!
أين سيعيش الإيمان إذن؟! وفي أية مساحات؟!
الأرجح أنه سينزوي في الصدور حسرة على ما يراه كل"مؤمن"،
وهو يشعر بالعجز والمهانة، ولا يرى لنفسه دورا ولا مكانا ولا أملا ولا مستقبلا ولا عملا يقوم به لإصلاح دنيا أو دين!!
أو سيتقلص الإيمان ليصبح شأنا فرديا، وخلاصا ذاتيا، ومحاولة لإنقاذ النفس بعد شيوع الفساد، وفساد الزمان!!
إنقاذ الإيمان يحتاج إلى سياق ينبغي أن نتعاون في العمل لأجله، يحتاج إلى تشييد ثقافي، فالثقافة السائدة ليست ملائمة، ويحتاج إلى حرية ودفاع عنها، ويحتاج إلى تفكير فقدي وحوار دائم..
27/10/2006
واقرأ أيضًا:
على باب الله: الصمت جريمة/ على باب الله: معارك في التيه