أذكر أنني كتبت شيئا عن "وطن في التيه" وأعصابي أحيانا لم تعد تتحمل ما نغرق فيه حاليا من معارك تبعدنا بغفلة أو وعي عن اللحظة الأهم، والمعركة الأخطر، والنقطة الأشد حساسية، وأعني لحظة ما تحقق في لبنان خلال معركة الثلاثة وثلاثين يوما.
يؤسفني ما أغالبه من نسيان أو تناسي الناس لما جرى خلال هذه الفترة من إنجازات تستدعي الاستثمار، ومن تحركات تستحق المراجعة والنقد والتسديد، وما تحقق من رصيد يفتقر إلى التنمية الشاملة المتواصلة.
بدلا من مواصلة السير في السبيل الصحيح أرانا نندفع في طرق جانبية لن توصلنا إلا إلى المزيد من التخبط والتيه والضياع والتبديد.
نظرة واحدة إلى عناوين الصحف، وقضايا البرامج الحوارية على الفضائيات، وإنصات بسيط إلى أحاديث المجالس يدلك على أننا قد استبدلنا شأن ما حدث في لبنان برمته بكلام آخر فارغ في أغلبه، وأحيانا خطير ومدمر!!
ما الذي تستفيده الأمة من فتح ملف الخلاف القديم بين الشيعة والسنة على هذا النحو؟!
أنا لست ضد الحوار والنقاش والمناظرة، بل والاختلاف الجذري، ومقارعة الحجة بالحجة، ولكن ما يحدث في معالجة هذا الشأن لا علاقة له بمنهاج، ولن يوصل أحدا إلى أي هدف، إلا أهداف أعداء هذه الأمة المسلمة: شيعة وسنة!!
أنا لست مع مصادرة الحق في التعبير، ولا من أنصار تمييع المواقف باسم تقريب هش لا ينهض على أسس راسخة من حوار وتفاوض وتفاهم.
لكن ما يحدث في هذا الميدان أغلبه مهاترات لا مناظرات، ولغو لا تدقيق، وإشعال نيران بتداول معلومات غير موثقة، ونقول مبتورة، والحصاد لابد أن يكون توسيعا لدائرة الاقتتال، وبالتالي توجيه السلاح إلى الإخوان في الإسلام لا الأعداء في كل صراع!!
أو شك أن أكرر وأرفع بالصوت دعوتي إلى استحداث معهد علمي أو مركز بحثي أو دائرة منضبطة تكون فضاء مفتوحا وحرا محكوما فقط بضوابط العلم والعقل، وإجراءات النقاش المثمر أمام من يريد أن يفهم المفارقات والتناقضات، وأصول الخلافات بين الشيعة والسنة، وربما بين الأديان والمذاهب كلها!!
ولا بأس عندي مطلقا أن تستعين هذه الفضاءات بكل الوسائل المتاحة لإدارة النقاش وتعميق الفهم والبحث وتحري الصواب والصدق، ومتابعة الشبهات والأساطير، وإحصاء الأدلة والأدبيات، وتمييز ما هو غث، وما هو سمين.. ولا بأس عندي أن تشتد حرارة المناظرات والمشادات الفكرية، وتبادل الاتهامات العلمية والمنهجية، وإخراج كل السخائم، وفتح كل الجروح، والقروح، ولكن في إطار المناخ السليم، وفي المكان السليم، وبحضور أصحاب العمق والدراية حتى لا تتحول العملية من جراحة إلى تشويه، ومزيد نزف وتخريب!!
لا يفزعني الاختلاف الجذري بين البشر في المعتقد أو المذهب أو المزاج، ولكن يفزعني البعض بسوء إدراكهم لهذا الاختلاف، وسوء تعاملهم معه وإدارتهم له بخفة تصل إلى الحماقة غالبا ثم إلى حروب الكل ضد الكل، والذبح على الهوية المذهبية، والعصبية المنتنة التي نهانا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لا بأس عندي أن يقرأ الناس كل كتاب، وأن يسمعوا كل رأي، وأن ينصتوا فقط لصوت بشري واحد، أو أن يقتصروا على زاوية واحدة للنظر أو وجهة واحدة للرأي فيما يحتمل وجوها عدة!!
ضيق الأفق أدى بنا إلى كوارث، ويفزعني أن أراه حاكما لحياتنا على مستويات عدة!!
أتوقع أن فتح مساحة مثل هذه هام للغاية، وأتمنى أن يحدث هذا بمرونة ونجاح ووقتها لن أقبل بأية معالجة خفيفة للمسألة، وساعتها سأشن حملة ضارية على كل من يتناول بخفة أمورا تستدعي التعميق والتدقيق.
انتهيت لتوي من قراءة مقال يبدو أنه الأخير في سلسلة نشرت عن ذكرى حرب أكتوبر، وما جرى فيها، وهو يتتبع جزءا من تاريخ المصطلحات المتداولة، واللغة التي كانت سائدة في هذا الوقت، ويربطها بما وقع في لبنان، والشيء بالشيء يذكر هذا أداء مختلف دون شك، ومدخل مختلف، ونجاح نطمح إليه، وذكاء وحكمة من كاتب المقال الصديق د.حسن وجيه، هذا بند في الأجندة الصحيحة التي يتم الشغب عليها لمصلحة اللاوعي!!
أحسب أن أمورا كثيرة تجدر بأن ننشغل بها أكثر من تجميد مسلسلات الفنانات المعتزلات، أو فرضية النقاب من عدمها، أو غير ذلك مما أسمعه وأشاهده يحتل صدارة الاهتمام العام أو هكذا يراد له!! وحتى هذه القضايا فإن أسلوب نقاشها مازال هو التجريح والملاسنة وتسفيه آراء الآخرين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
26/10/2006
واقرأ أيضًا:
على باب الله: إنقاذ الإيمان/ على باب الله: غاوي شعب!!