تعتعة سياسية: صرح بأي شيء تقرره... وستجد من يبرره!!
سألت البنت أباها:هل الذي يغير رأيه يكون مترددا أو مهزوزا؟ قال أبوها:لا طبعا.قالت:حتى الرئيس -ربنا يخليه- يا أبي، يمكن أن يغير رأيه؟ قال أبوها:"الرئيس حر، مثله مثل أي إنسان يغير رأيه كيف يشاء. قالت البنت: ماذا تعني يا أبي كيفما يشاء" قال الأب: أعني كما تغيرين أنت رأيك فيما تحبين من الأغاني أو في ملابسك أوفي أحذيتك أو في أي شيء، قال البنت:لكنه الرئيس، ونحن لسنا أحذيته أو ملابسه، قال الأب "لست فاهما "قالت البنت وهى تجرى عائدة إلى لعبتها:"أحسن"!!!
لا أتوقف عن التنبيه على ضرورة مراجعة كل الشعارات التي نلوكها بألستنا ليل نهار، ونستشهد بها دون تمعن فيما تصلح وفيما لا تصلح له،بل أنني –بيني وبينكم- لم أقبل كتابة هذه الزاوية (تعتعة) منذ الصدور الأول للدستور إلا بهدف هز مثل هذه الثوابت بشكل أو بآخر،بدءا بخلخلتها بهذه التعتعة المستحبة،حتى احتمال خلعها قياسا بالنظام الزواجي الجديد.
هذه الدعوة إلى النقد وإعادة النظر لا بد أن تمتد إلى كل ما نستشهد به من حكمة تسرى بين الناس بما في ذلك الأمثال العامية التي نطلقها قذائف جاهزة للتبرير حتى تبرير السلبيات، أذكر صلاح جاهين وهو ينبهنا قائلا:"افعل أي شيء تقرره، وستجد مثلا يبرره".
نرجع مرجوعنا إلى ذلك الموقف الذي وقفته هذه البنت المزعجة من أبيها، ثم اللاموقف الذي لم يقفه هذا الأب "الجاهز" من ابنته والرئيس، حضرني القول الشائع الذي ربما كان في خلفية سؤال البنت والذي يقول:"يحيا الثبات على المبدأ" والذي يفهم أحيانا بأن صاحب الرأي القوى هو الذي لا يغير رأيه هو الرأي الصحيح عادة، أو غالبا، أو دائما،يصح هذا فأكثر كلما صعدنا سلم السلطة أعلى فأعلى.
حين أعلن الرئيس الكريم "سماحه" الأخير بشأن المادة76: فزع الناس، أعني فرحوا، أعني بعضهم فزع وبعضهم فرح، وكثير منهم ابتسم وانسحب ولم يعلق.أنا شخصيا لم أقرأ نص التصريح، فعلت ذلك عامدا متعمدا مع سبق الإصرار، حيث أنني اعتدت مؤخرا أن أوفر انفعالاتي، وأؤجل مشاعري حتى تصلني المعلومات من أرض الواقع، لا من تصريحات المسئولين، أو بيانات الحكومة، ولا حتى من هتافات الشارع.
برغم كل ذلك، فلم أملك إلا أن ألاحظ عناوين مقالات المعتقلين على هذا التصريح، لأتبين أن الذين فرحوا وهللوا وصفقوا هم الذين فرحوا وهللوا وصفقوا حين نبه سيادته -أو من يتحدث باسمه- قبل وقت قصير، بأنه: "كله إلا المادة76".
من كثرة تكرار مثل ذلك، تصورت أن الرئيس لو رجع غدا -برغم أنف تساؤلات تلك البنت الشقية- وقدم تفسيرا لتصريحاته تلك، بأنه لم يقصد تماما ما ذهب الناس إليه، وأنه إنما يعني :أن تلك المادة 76 قابلة للنظر فيها لتحسين ما فيها بما هو فيها، لو حدث ذلك لتراجع هؤلاء الذين فرحوا أولا، ثم فرحوا ثانيا، ليس تراجعا عن الفرحة، ولكن لتراجعوا عما سبق أن تراجعوا عنه (كلام خائب مثل كلام البنت وأبيها).
بمناسبة الأمثال العامية التي تبرر أي شيء يوجد مثل -غير شائع– يصلح لوصف هذا الجاري، وهو يصف الحماة التي تقدم الخبز الجاف لزوجة ابنها قائلة: "صحيح ما تكسري، ومكسور ما تأكلي، وكلي يا ضناي لما تشبعي".
فإذا ترجمنا هذا المثل إلى الموقف الراهن سياسيا يمكن أن نقول:
المواد المعدلة يمكن تعديلها، والمواد التي يتم تعديلها لابد وأن تصاغ بحيث تحقق الهدف من التعديل الأول، حتى يمكن استقرار تعديلها، وبالتالي: فالجميع مدعوون للمشاركة في التعديل بكل حرية وشجاعة (كلي يا ضناي لما تشبعي).
قد يكون مناسبا أن أغشش أهل المعارضة الذين قروا أن يوفروا وقتهم مثلى، ويرفضوا المشاركة في هذه "المكلمة" التعديلية التي يعرفون نهايتها قبل أن تبدأ، أغششهم أن يردوا على من يدعوهم للمشاركة بمثل عامي آخر يؤكد أنه "يا عم توكل:البركة في سيادتك فالمثل يقول: "أم الأعمى أدرى برقاد الأعمى" وبما أن الشعب يعامل باعتباره متخلفا أو معاقا أو لأعمى، فالأولى أن نترك لأمه التي تعرف كيف ترعاه، أن ترعاه، كما اعتادت أن ترعاه.
هل عرفتم لماذا لم أقرأ نص تصريحات الرئيس الأخيرة أطال الله عمره ومتعه بحكمة الرأي وسداد النصح؟
اقرأ أيضا:
كل شيء هادئ في الميدان الشرقي!! / جدل الإنسان والطبيعة: نحو الله / وبرغم الأسئلة التآمرية