على باب الله الأمل والعمل
أفزع حين يلاحظ أحد أو يضعني في خانة من يفقدون الأمل، أو يغرقون من حولهم في اليأس والقنوط!! بينما النقد عندي بداية الإصلاح! الحقيقة أنني تعبت من أولئك الذين في قلوبهم مرض، وفي بصريتهم عمى، ولا ترى عيونهم سوى العيوب والنقائص، ولا تنطق ألسنتهم إلا بالعيب والطعن، وكأنهم يستعذبون هذا كله!!
كأنهم مصابون بعمى الألوان كلها فلا يرون سوى الأسود بدرجاته كيف يتعايشون مع الكراهية، والشر والكذب، والرغبة في الإيذاء؟! الغيبة والنميمة!! إنها سموم تطحن النفس، وتهري البدن، وتقضي على الطاقة قبل البدء فيشيع الخراب داخلنا ومن حولنا!! وتتحول مجالسنا إلى ولائم لحم بشري!! ثم يصبح الإنسان معيوبا في إدراكه، لا يرى في الكون شيئا جميلا، ولا فيمن حوله، لا في الحاضر بصيص ضوء، ولا في المستقبل بارقة أمل، وغالبا ما يتسرب السواد والطعم المر إلى داخل نفسه فيعيش نكدا كئيبا مكتئبا، ولا تسأل عن عمله بعد ذلك، فماذا تنتظر من كل هذه التشوهات إلا المزيد من المكائد والدسائس، والسموم القاتلة للأمل والعمل الصالح؟!
هذا خبرنا اليومي، وتلك هي جموعنا الغالبة إلا أن تستيقظ على حقائق الجمال، وتدرك أن في الدنيا أمورا تستحق الاهتمام والاستماع والحرص غير هذا الركام البغيض!!
أتعلم أكثر عن طبيعة الحياة والإنسان فأعرف أن كتلا من البشر تخلط بين النقد للإصلاح، وتحطيم كل شيء بدعوى التحرر من الأصنام!! بين تنظيف المعبد وهدمه فوق رؤوس الناس، بين استئصال الأورام وجراحات العلاج، وبين بتر السليم من باب الاحتياط، أو بالأحرى من باب الخلط والكسل وعدم التدقيق!!
وأتابع النقاشات فأرى النفوس ضيقة، والمعرفة خفيفة، والآمال ضعيفة متهافتة، والغضب يملأ الأرجاء، والجمال يتوارى، والحكمة تنسحب حين يرتفع الصوت، وتسخن الرؤوس، وتغلي القلوب بالمشاعر السلبية!!
هو عصر الفوضى بلا شك، أمريكا تسميها "خلاقة"، وأنها مفيدة بالنسبة لهم، ويمكن أن نلحق بها الأنظمة، والناس تدفع الثمن!!
عندما أردت أن أتخصص بالطب النفسي وأرسلت وقتها إلى صديقي الكاتب السوري الراحل: "شريف الراس"، رد على رسالتي قائلا: نحتاج يا صديقي إلى جيش عرمرم من الأطباء للنفوس المريضة، ولكنني أشفق عليك!!
ويبدو أن شفقته كانت في محلها لأن المهمة تبدو شبه مستحيلة لولا الأمل في الله سبحانه، وفي بقية سمو أودعه الله النفس الإنسانية، ويحتاج إلى إنعاش وإيقاظ وتنمية، حاليا بشدة، وفي كل وقت!! لن أتوقف بمشيئة الله، ولكن أتعلم وأصحح مهما كان، لعل وعسى!!
تأملت أن الله قد رزقني قشرة صلبة جدا نضجت بداخلها حتى خرجت منها معتزا بها، ولا بد لكل إنسان فيما يبدو مثل هذه القشرة من ظروف وأشخاص ووقت وسعي.
صحيح أنني مازلت أنضج وأتعلم كل يوم، لكن النضج الأصلي التكويني ينبغي إنجازه في مراحل العمر الأولى، وهو ما فات البعض للأسف الشديد حين انكشفوا مبكرا مثل كائنات رخوة فقدت أصدافها، أو هربت خارجها، فصارت تبحث عن شيء يلم أنحاءها المبعثرة، وأجسادها السائلة، وعند البعض فإن الكراهية والحقد والعدوان على أهداف بشرية حية تبدو هي الخيارات الأسهل بدلا من التشظي، أو المزيد من السيولة و"التبعثر"!! اللاجدوى واللا أمل!!
إنه التئام حول معنى شرير وضار، ولكنه محاولة مفهومة وبديلة للتعويض النضج المفقود، والقواقع الغائبة!!
ومع البحث عن معنى ضام هناك غالبا البحث عن أب بديل نلعنه ونبالغ في قدراته، ووصف جبروته، ونسعى إلى تحديه ومواجهته، ونخوض معركتنا معه لإثبات ذواتنا التائهة الباهتة!! فاتهم النضج صغارا، ويحاولون استكماله بنزق الكهولة، وما أسوأ رعونة الكبار!!
ماذا يفعل من يجد نفسه محاطا بأمة بلغت سن اليأس قبل أن تبلغ الرشد؟! ومازالت طفلة تعبث، أو مراهقة تصخب وتتمرد، وتحسب نفسها كبيرة لأنها ضخمة، أو حكيمة لأنها تتقدم بالعمر، أو ناجحة لأنها مهددة، أو نبيلة لأنها حزينة مكتئبة نسيت الأمل، وعطلت العمل النافع، وتخسر نفسه، وذلك هو الخسران المبين!!
واقرأ أيضًا:
على باب الله: خرائط العشق القاني/ على باب الله: الحسين غاضباً