الإعلام وصناعة تاريخ بديل 15/10/2006
شعرت ورأيت وسمعت كيف صار الإعلام يصنع تاريخاً غير التاريخ، وينشر اهتمامات وأولويات وخرائط مضللة وتابعة لإهواء القائمين عليه، أو جرياً وراء الإثارة والفرقعات بعيداً عن الأسئلة الأهم، والأحداث الأولى بالمتابعة.
انتصار المقاومة في لبنان كم كان مهولا؟، وكم يحتاج إلى أن يكون بداية عصر جديد، واتجاهات جديدة، ولحظة منعطف في تاريخنا الحديث، ولكن تاريخاً بديلاً يرُاد له أن يكون!! تاريخ تصنعه أدوات صناعة المعاني، وأجهزة التضليل والتجهيل، والقطعان تسير!! إسرائيل تدرس آثار الحرب، وتعتبر بدروسه، ونحن، أين نحن؟!
أحببت أن نخوض تمريناً عملياً على فحص هذا ونقده من خلال دراسة حالة محددة هي "إيران"، وما يقال عنها في الإعلام وفي المجالس والحوارات السائدة، ودعوت للساقية صديقي الدكتور "مصطفى اللباد" الخبير المختص في الشئون الإستراتيجية التركية والإيرانية، ولفت نظري وجود عدد كبير حضوراً في القاعة لهذه الندوة، ويبدو أن الموضوع قد جذب عدداً لا بأس به من المهتمين.
بدأت بالحديث عن فكرة هذه الندوة ثم أعطيت الكلمة للدكتور مصطفى الذي تناول أولاً دور الإعلام والمصطلحات الإعلامية منذ أول يومٍ في حرب لبنان، وكيف كان الإعلام سلاحاً هاماً فيها يمهد الطريق، ويغطي على الجرائم، ويسمي الأشياء بغير أسماءها الحقيقة!! إدانة حزب الله طول الوقت، والإعلام عن ميلاد شرق أوسط جديد، وكيف تحول هذا كله فيما بعد !! ؟!
هذا ما رأيناه جميعاً ثم ماذا جرى بعد وقف إطلاق النار على الرغم من أن شيئاً مما أرادته إسرائيل وأمريكا لم يتحقق، وجدنا من يتساءل: هل ما حصل هو نصر للعرب ولبنان؟! ووجدنا نغمة "شيعة وسنة" تعلو للتعليم على الصراع الرئيسي الأهم والأسخن في المنطقة بيننا وبين إسرائيل!!
أما إيران ـ أستطرد د. مصطفى ـ فهي بلد قديم بينه وبين العرب احتكاكات وتنافسات وطموحات وسوء تفاهم كما تحالفات هذه الدولة الإقليمية الكبيرة هي جارة مهمة، ومن الطبيعي في هذا العصر أن تبحث عن مصادر القوة بأنواعه، ومنها السلام غير التقليدي، ومن المفهوم والمتوقع والحاصل فعلاً أنها تتمدد في الفراغ الناتج عن تراجع وانسحاب الدور المصري والسعودي في المنطقة، وهذا الفراغ بهذا الحجم ليس مسبوقاً –بالنسبة لمصر – منذ عصر "محمد علي" يقول اللباد، وطبيعي عندما ينكفئ طرف إقليمي كبير مثل مصر أن تتقدم مشاريع أخري إقليمية جارة مثل إيران، او غربية مثل إسرائيل مدعومة بأمريكا!!
تبدو تركيا منكفئة عن لعب دور في المنطقة بسبب العازل الكردي في العراق، وإعطاء أولوية للتوجه صوب الانضمام إلي الإتحاد الأوروبي، وعدم وجود جناح أو تيار داخلي قوي في الطبقة السياسية التركية حالياً للتوجه عربياً.
وفي لفتة ذكية أشار د.اللباد إلي أن مصر استخدمت الأزهر ضمن أدوات ممارسة دور إقليمي وإسلامي حين كانت ناشطة في لعب هذه الأدوار، ونفس هذا المسلك الطبيعي المتوقع هو ما تمارسه إيران حين تستثمر علاقتها مع حزب الله، وأضيف أنا "ورقة الشيعة" في إطار طموحها إلي ممارسة دور إقليمي أوسع!!
ثم أشار المتحدث إلي أن الشيعة العرب، وحتى داخل إيران نفسها ليسوا كتلة مصمتة، وبالنسبة لشيعة العراق فإنهم - في أغلبهم – يعتبرون أنفسهم أصلا لمذهب ومركزه الأساسي في النجف وكربلاء.. الخ، وكذلك فإن حالة حزب الله لا تقبل التعميم، وتساءل لماذا لا نتفهم أن هناك شيعة ضد أمريك، وشيعة معه، مثلما هناك سنة هن، وسنة هناك؟!
وقال أن هناك اتجاهات وأجنحة داخل كتل الشيعة كما السنة، وقال أن الوضع السكاني "الديموغرافي" عربياً لا يسمح بمشروع مستقل للشيعة فهم في مجمل المحيط العربي لا يزيدون عن نسبة الخمسة عشر بالمائة!!
وأشار د.اللباد إلي ما يتردد عن ظلم تاريخي للشيعة في بعض بلدان العالم العربي مثل السعودية والعراق، وهو مالا يمكن نفيه، ولكن أيضا ينبغي.
عدم إعطاء فرصة للاستخدام الخارجي لمثل هذا الوضع!!
وأضاف أن منطقتنا طوال تاريخها تضم تنويعات عرقية ومذهبية وطائفية ودينية، وأن ضمن المقصود من الشرق الأوسط الجديد هو تمزيق وتفتيت القوي الإقليمية الكبرى فيه، أو شل الإعلام، فيقال قنبلة نووية شيعية مثل، ولا يذكر أحد عن القوة النووية الإسرائيلية،]وشاهدت أنا غلاف مجلة سعودية يضع الخليج العربي وكأنه بين خطرين الإيراني والإسرائيلي، وهو عين ما تناولته ندوتنا من خلط للأوراق، وقفز فوق حقائق وبديهيات بسبب السذاجة أو لخدمة أنظمة الحكم، أو المخططات الأمريكية، وفينا من يسمع هذه اللغو المنمق يحسبه وعياً وتحليل، بينما هو محض تضليل، وتاريخ بديل!!
ويري د. اللباد أن التاريخ دائما تحركه المصالح، والحروب كذلك، والإعلام سلاح في المعارك، والأديان مستخدمة طبعاً في اطر وخلفيات ويوميات الصراع أو الصراعات، كما يري أن امريكا تريد شرقاً أوسطاً لمصلحتها بالتأكيد، ويري أن إيران تبدو هي كدولة العقبة الأخيرة في المنطقة أمام المصالح الأمريكية وأمام الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، ولذلك فإن الضغوط عليها تتزايد بدعوى استخدامها للطاقة النووية، وأن أثر هذه الضغوط يتضاعف على إيران في ظل غياب البائس لمصر والسعودية وتركيا هل لعب أي دور إيجابي في المنطقة أو أي تواصل إيجابي مؤثر مع إيران، ويزداد الطين بلة بفعل الحملات الإعلانية الشرسة، والمناخ المسموم ضد إيران والشيعة، وأضيف أنا أن ما يحدث في العراق من تحركات إجرامية وانتقامية من بعض الشيعة تجاه السنة، وأحيانا بالعكس، من شأنه زيادة البلبلة المطلوبة جدا في إطار الفوضى الخلاقة كما تسميها وتريدها أمريكا، وفي إطار الالتفاف على نصر لبنان، ونشر تاريخ بديل!!
المناقشات بعد ذلك دارت حول نقاط عديدة منها معالم الطموح الإيراني بدور أكبر في الإقليم، والتي يمكن تصورها على أنها إمكانية تفاوض وحوار مع الغرب كدولة عظمى إقليمية، ونوع من الانتشار الثقافي والمعنوي والسياسي والاقتصادي، وإن كانت اللغة والمذهب الشيعي تبدو عقبات في سبيل هذا، كما تطرقت المناقشات كأن العلاقة تكون مضطردة بين الضغوط والمقاطعة، والحملات الإعلانية على بلد مثل إيران، وبين موقفها عربيا ومذهبيا، وطرح البعض أهمية مثل هذه اللقاءات في بناء ونشر وعي سليم بالتاريخ الصحيح، وقائمة الأولويات والمصالح الحقيقية للأمة العربية والإسلامية، بدلا من الكذب والتضليل، ونشر الفوضى في المفاهيم، والتزييف للحقائق، ولي أعناق التاريخ والجغرافيا، ولا يستفيد من هذا غير أعدائنا.
أكد الحضور بالإجماع على أهمية الدور الشعبي، والمبادرات الأهلية في تغيير الخرائط الذهنية والتفاعلات بين شعوب المنطقة، والحوارات المطلوبة بإلحاح بين تنويعاتها العرقية والمذهبية، ونزع فتيل ألغام كثيرة تمتلئ بها أرضنا، ويبدو والمستقبل في ظلها مسكونا بالقلق واحتمالات الفشل!!!
واقرأ أيضًا:
على باب الله: الحسين غاضباً/ على باب الله: الحوت صديقي