في يوم السبت 25 نوفمبر الفائت قررت لجنة الحريات بنقابة الصحفيين عقد ندوة نسائية على هامش اليوم العالمي لمناهضة التمييز والعنف ضد المرأة.. وقررت أنا الحضور والمتابعة والرصد والتأمل و.. التفكير أيضا. على منصة المتحدثات اصطفت أطياف النسوة من أقصى اليسار فكرا ومقعدا حتى أقصي اليمين فكرا ومقعدا أيضا!
.. فمن جريدة الأهالي "بهيجة حسين" ومن جريدة وطني "نادية برسوم" ومن العربي الناصري "نور الهدى زكى" ومن الإخوان المسلمين "د. مكارم الديري" ومن جمعية بريق الناشطة الحقوقية "نجلاء الإمام".
بالحديث عن تأنيث الفقر, والقهر الاقتصادي المتمثل في تدنى الأجور واعتبار المرأة عمالة رخيصة تم قص الشريط عن الندوة الميمونة, ثم توالت الكلمات تعرض وتبين مظاهر العنف والتمييز الذي تعانيه المرأة في مجتمعاتنا.. بدأً من "لما قالوا لي بنية أنهدت الدار عليا" وختان البنات إلى التسلط الذكوري الأبوي متمثلا في الأب والأخ حتى ضرب الزوجات واغتصابهن من قبل الزوج. وصولا إلى زنا المحارم, ومنع حصول المرأة خاصة في الصعيد والأقاليم على نصيبها من الميراث مرورا بالقتل على خلفية الشرف, إلى اعتبار أن مقولة جسد المرأة عورة وعليها ارتداء الحجاب نوعا من ممارسة العنف ضد المرأة أيضا!
الوحيدة التي تحدثت عن نوع آخر من العنف كانت هي الدكتورة مكارم الديري التي خصت كلمتها عن العنف والتمييز الذي تتعرض له المرأة في المواثيق الدولية. وعلى هامش الكلمات الجادة المرفقة بالمعلومات والإحصاءات والتقارير كانت هناك تعليقات من الناشطات أبدين من خلالها انزعاجهن من انتشار ظاهرة الإسدال بين الفتيات والنساء و"غزو" – هكذا – المذيعات المحجبات للفضائيات وممارستهن العنف ضد جمهور النساء غير المحجبات!
بل إن إحداهن حذرت من تجمعات المنقبات والمحجبات في عربة السيدات بمترو الأنفاق ووصفتهن بتشكيل "لوبي" ينحاز إلى مثيلاتهن فقط بينما ينظرن إلى غير المحجبات باحتقار. وعلى مقاعد الحضور من الجمهور أخذت الهممات والذبذبات تتعالى.. وبدأت الحرائق تشتعل فما إن فتح الباب للمداخلات حتى انبرى جمهور الرجال بلا استثناء داعين إلى تكوين جمعيات لمناهضة العنف والتمييز ضد "الرجل"!
كما صبوا جام غضبهم على مسألة "اغتصاب الزوجات" في تشديد على أن المرأة التي تمتنع عن الاستجابة لرغبة زوجها الجنسية تعتبر ناشز.. واتهم بعضهم النساء من المتحدثات بأنهن علمانيات يتبعن الأجندة الغربية وإنهن فصيل نسوي تابع للغرب.
مداخلات الحضور النسائي من الناشطات الإسلاميات أيضا كان له حظ وفير من توجيه النقد لممارسة العنف ضد المذيعات اللاتي تحجبن بمنعهن من العمل, واعتبار أن العنف يمارس في المجتمع كله ضد الجميع وليس المرأة وحدها ويعانى منه بالتالي الجميع وليس المرأة وحدها. تحدثن عن القوامة.. حقوق المرأة في الإسلام ...إلخ المداخلات التي اتسمت بالتنظير وأن "الحياة بمبي"!
وهكذا انفض المولد بلا حمص ولا اتفاق ولا حلول لتبقي أوضاع المرأة على ما هي عليه حتى إشعار بندوة أخرى يتحزب فيها النخب, وقادة الرأي, وأصحاب الفكر ويتقاتل أصحاب الرؤى والاتجاهات الفكرية بدعوى تبنى قضايا المرأة!
ولتدفع المرأة الثمن مرات ومرات.. ولتظل الجماهير تائهة غارقة في الجهل والفشل أو متقاتلة متحزبة هي الأخرى.
والسؤال هو إلى متى.. إلى متى لا يجتمع الفرقاء في حركة إصلاح اجتماعي – أسرى تنفض عن مجتمعاتنا ذلك الفصام النكد بين مقاصد الشريعة والاتكاء على نصوصها لتبرير كم هائل من الممارسات الظالمة ضد المرأة تتخذ مرجعيتها من العادات والتقاليد وليس الدين؟!
إلى متى لا نعترف بالفشل في تربية الأنثى والذكر.. فالمخرجات التي هي امرأة مستكينة مستسلمة أو متمردة صداميه بما لا يوصل لأي حق والرجل الذي هو عنيف متسلط "طاغية صغير" ساحته الأسرة كلاهما نتيجة طبيعية لمدخلات تربوية خاطئة تقوم على معاملة الذكر داخل الأسرة على أنه حالة خاصة متميزة لها القوامة التي لا تعنى الرعاية والمسئولية بقدر ما تعنى التحكم والتصرف بحياة الإناث -كل الإناث– من حوله أما كانت ألأم بنتا أم ابنة أم زوجة أم زميلة عمل, وربما جارة!
بل ونعطيه توكيلا عاما بأحقية تهذيب وتأديب الأنثى لأنها عرضة للشك في سلوكها ودينها وفكرها ومسئوليتها وربما صمتها وكلامها, إنها القاصرة عن حفظ نفسها وعرضها الناقصة في قدراتها وإمكاناتها.. إنها المسئولة "أمامه" وليس أمام الله.. هكذا نربي الذكر وكذلك الأنثى!
إننا بحاجة ماسة إلى حركة إصلاح اجتماعي – أسرى تفك الاشتباك الحاصل بين الرجل والمرأة.. بين الإسلاميين وغيرهم من أصحاب التوجهات الفكرية الأخرى فيبرز الوجه الجميل للاختلاف. نحن بحاجة إلى حركة إصلاح اجتماعي – أسرى ترشد الأسر إلى اعتماد فقه "الرعاية" وليس "الوصاية" عند تربية الإناث والذكور وتعيد الصياغة لكليهما نفسيا وفكريا وثقافيا.
نحن بحاجة إلى حركة إصلاح – اجتماعي – أسري تربى الذكر والأنثى على أن المرأة كالرجل سواء بسواء مسئولة أمام الله وقد أعطاها الأهلية الكاملة للقيام بواجباتها في حماية عرضها ونفسها ومالها بالتعاون مع الرجل الذي أوكل الله إليه حمايتها ورعايتها والحفاظ على كرامتها.. وأن القوامة فن رفيع لابد أن نربي عليه مشروعات "رجال المستقبل".
نحن بحاجة إلى حركة إصلاح اجتماعي – أسرى تعلم الناس أن الرجل لم يخلق لتأديب وتهذيب وتقويم المرأة وأنها عند كل خلاف الـ "الناشز" التي سقطت نفقتها واستوجبت الركل والصفع وتكسير العظام!
نحن بحاجة إلى حركة إصلاح اجتماعي – اسري تحرر الرجل – نعم الرجل – من الفهم العقيم لنصوص الشريعة.. فهو مسكين تربي على أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" معناه التجرؤ على حقوق الإلوهية فأصبح مع كل حدث أو حادث داخل الأسرة وكأن لسان حاله يقول "أنا ربكم الأعلى"!
نحن بحاجة إلى حركة إصلاح اجتماعي – أسرى تنقذ العلاقة المتردية بين الرجل والمرأة القائمة على الشك وسوء الظن ورفض الفطرة وانعدام الثقة, فتعلمهما أن أصل علاقتهما بمجملها قائمة بحدود الله يتعبد بها كلا الطرفين ربه لا أن يستعبد باسمها أحد الطرفين الآخر.
نحن بحاجة إلى حركة إصلاح اجتماعي – أسرى تربي الذكور على أن يكونوا "رجالا" لا "ذكورا" وفارق كبير بين ما معاناة القدرة الإنسانية وما معناه القدرة الجنسية!
نحن بحاجة إلى حركة إصلاح اجتماعي – أسرى تدرك أن التغيير في الوطن والمجتمع والأسرة ليس سلطة ينبغي تكريسها وتسليم حقيبتها للرجل دون المرأة.. فبوابة سجن الماضي لن يغلقها سوي كفيهما.. معا, وبدون ذلك فالكل يلقى بكراسيه في "الكلوب"!
واقرأ أيضاً:
التاريخ وعاريات الصدور / يا سنة سموكي!!