لم أكتشف قبل الليلة تأثير البقاء أعواما وأنا مصدر أخباري السياسية والاقتصادية والعسكرية هو نشرة منتصف الليل على قناة الجزيرة، فبعد عودتي لأسرتي وتناولي العشاء بحمد لله، أشاهد نشرة أخبار الجزيرة وغالبا أكون على سرير نومي.... اكتشفت الليلة أنني لا أعرف من أخبار مصر أكثر مما يعرفه المقيمون خارجها.... بشرط ألا يشاهدوا قنواتها الفضائية الرسمية وألا يشتروا صحفها أيا كان مكانهم، وهو ما أفعله أنا منذ أغلقت جريدة الشعب الورقية، إثر حل حزب العمل.
الليلة أبلغني ابني الأكبر طارق، أن مستقبل الدش (ريسيفر) فصل من تلقاء نفسه وليست هناك الليلة جزيرة، وكنت في عيادتي والساعة تناهز العاشرة قبل منتصف الليل، وقال طارق: يا بابا حاول تشوف نشرة الأخبار في العيادة قبل ما تنزل، والحقيقة أنني لم أفعل... وإنما قررت المرور على مجانين -تحت بيتي- لأدخل موقع الجزيرة وأرى نشرة الأخبار إليكترونيا.... وللأمانة لم أستطع إلا سماعها ربما لأن هذه هي الإنترنت عالية السرعة مستوى مدينة الزقازيق! "الرفيع جدا"
سمعت بيان الدكتور أيمن الظواهري وهو يوحي لنا بوجود قوةٍ لأمتنا نسأل الله أن تكون موجودة وقادرة على محاورة أمريكا وإسرائيل ونسأل الله إن كانت موجودة أن يهديها الرشاد، أقول ذلك لأن تلك القوة الموعودة إن تكن موجودة فهي القوة الوحيدة الموجودة اليوم -مع حزب الله وإيران-،..... ولكن الواقع المخزي الذي نعيشه كلنا يقول: عد غنمك يا جحا! وجحا يقول مُتْ يا حمار!
اتصل بي ابن عبد الله على المحمول وأنا أتوضأ وضوء قبل الأكل لأتعشى..... وأخذ يحدثني عن فكرة مقال يريد توصيلها للمهدي ليكتبها لجريدة الدستور وموضوع المقال هو اللعبة الذكية المكررة الممطوطة التي تلعبها حكومات مصر المتعاقبة مع الجميع... وأخذ ابن عبد الله يستفيض في وصف أحداثٍ وردود أفعال وأسماء شخصيات... المفروض أنها تحدث وحولي...."كل هذا يحدث في البلد وأنت لا تدري!!" هكذا قلت لنفسي... وأصبحت أشعر أنني في أقل من نصف ملابسي! ألهذا الحد أنا منفصل عن البلد الذي أحيا به وأحبه -وغصب يا رب لا أجد داخلي لغير حبه مكانا- هل وصل بي اليأس من أوضاعنا الراهنة إلى هذا الحد؟؟؟ أحاول الاتصال بالمهدي لكنها ترد عليَّ قائلة: "الرقم المطلوب خارج نطاق الخدمة..... حاول الاتصال في وقت لاحق".
.........لكن لا... لا لست مغيبا إلى هذا الحد.. فأنا سمعت عن أحداث المحلة الكبرى، صحيح أنني سمعت عنها من خلال حديث بين اثنين عن أنهم عمالٌ "جدعان" لم يقبلوا بضياع كل حقوقهم فأخذوا جزءًا منها من خلال ضغطهم، ولكن هل هذه هي أحداث المحلة التي يقصدها ابن عبد الله أم تراه يقصد أحداث التعامل الأمني القذر مع غضبتهم احتجاجا على سب سيد الخلق عليه الصلاة والسلام؟ .... أحدهما قال لو أننا تماسكنا لحققنا ما حققه عمال المحلة..... وقلت في نفسي: ياه فهل هناك من حقق شيئا في هذا البلد؟!!
سمعت أيضًا منذ أسابيع مقولة السيد وزير الثقافة المصري -وكلمة ثقافة في مصر ظهر لها معنى جديد... فأصبحت تستخدم على نطاق واسع لتعني مشاهدة الفعل الجنسي أو الصور الإباحية- والحقيقة أنه نعم الوزير لنعم الثقافة،...... وقد عرفنا سيادته أن ارتداء الحجاب علامة على التخلف، ولما كان سعادته من دعاة التنوير ورسله المبجلين فقد عرفنا أن الحكومة تريد إلقاء الضوء على فلتات وشطحات سيادة الوزير المحترم لتغطي عورة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية ما في مكان ما.... ينشغل الناس بمصيبة هنا للتغطية على مصيبة أعظم هنا أيضًا ... ولا عزاء للمغفلين!، وشخصيا آثرت ردا بالعقول مثلما اخترت في حالة البابا المأفون!
سمعت كذلك عن أحداث جامعة الأزهر وما حدث لبعض رموز الإخوان المسلمين، نفس اللعبة القديمة تلعبها الحكومة بعد الحكومة... حيث تضغط على الحركات الإسلامية كلها بورقة الإرهاب متى شاءت فيقبلون!،........................... لكنني لا أعرف أي تفاصيل أيضًا عن الموضوع الأخير،..... وأخشى أنني حدث لي نوع من إزالةَ التَّحَسُّس Desensitization والتنظيمَ للأسفل Down-regulation- تدريجيا حدث لي ذلك...، فأصبحت يعنيني ما يحدث في قلب الأمة أكثر مما يعنيني ما يحدث في قلبي أنا أو أرضي أنا أو حتى......!
استاء مني الرفاق وأنا في لبنان أعلن انتهاء دور مصر عربيا وإسلاميا وعالميا..... وما نبست بزفرة أمل واحد في هذا البلد الذي أعيش فيه، كيف كان ذلك.... وكيف عاتبني الرفاق ولم أفق، ..... ورحت أتذكر ما قاله طاووس منذ أحد عشر عاما أو يزيد قليلا حين قال: لا أكفرُ بذا البلد !
كذلك ألا يختار المرء بأي المعلومات يهتم؟ أليس من الفطنة أن أهتم بما هو للأمة أهم؟ أين تقع بالله عليكم أخبار مصر؟ هل لها دور أكثر من محاولة إصلاح ذات البين بين أشقائها المخدوعين -إن كان ما يزال مخدوعون- وبين إسرائيل؟ هل من المهم أن نتابع أخبار هذا الدور؟ إصلاح ذات البين بين مُستباح وعدوه التاريخي الذي يستبيحه؟ حتى الدور مقرف فما بالكم بأخبار البلد من الداخل؟ ما بالكم بأخبار الناس يكفينا ما نلقى ونحن نشهد آثار انعدام القيمة لكل وأي شيء في هذا البلد.
مرة أخرى لا... لماذا أظلم نفسي إلى هذا الحد...... صحيح أنني لا أسمع قنوات هذا البلد الفضائية الرسمية ولا أقرأ صحفه الرسمية، مكتفيا بقناة الجزيرة.... وصحيح أن في هذا تقصيرا مني ولكنني كنت خلال الشهرين الماضيين والله أعلم بي أجمع شتات أبحاثي ودراساتي لأتقدم للجنة الترقية إلى أستاذ... وفي حالة الانغماس في مجانين إليكترونيا وعمليا في ممارسة مهنتي يصبح تحضير الملف المقدم للجنة وظائف الأساتذة... جهدا لا يعلم قدره إلا المجانين في غير النعيم!..... وهذه حكاية طويلة ربما يوما أحكيها على مجانين.
كذلك كنت خلال الفترة من 12/12/2006 إلى 18/12/2006 كنت من الصباح الباكر إلى العصر متواجدا في مركز تطوير قدرات أعضاء هيئة التدريس في الجامعة وذلك لحضور دورتين تدريبيتين متتاليتين الأولى عن تقويم التدريس والثانية عن استخدام التكنولوجيا في التدريس، وكنت أصحو مبكرا أكثر من المعتاد لأمضي إلى هناك... وأعود إلى عيادتي في حوالي الثالثة عصرا فأصلي العصر ويتناوبني المرضى بعد ذلك حتى ما شاء الله، أكون مضغوطا ومكروبا وأحيانا مشوشا ومضطرا للتركيز في نفس الوقت!... وما أكاد أفيق أثناء ذلك إلا لأصلي المغرب ثم العشاء.... ثم أجد منتصف الليل يقتربـ وعندي ساعة أو أقل لألتقط على عجل ما يمكنني فعله من أعباء مجانين.. كان أسبوعا مضى بحلوه ومره وكربه وفرجه، وأحتسبه عند الله، ويبدو أنني كبر سني وقلت كفاءتي.... والله معنا... لكنني كنت أتمنى لو كتبت لكم تحت عنوان: رايح الدورة راجع من الدورة... ويبدو أنني لن أجد الوقت لذلك، لأن حكايات كثيرة ما تزال أهم وأولى، فاضربوا لي الأمثال قولوا مثلا كذا يا عم مجانين.
اقرأ أيضاً:
مدونات مجانين: كيف ننجو بالعراق؟ / لماذا تنعي مجانين صدام حسين؟