تعتعة سياسية: سوهاج.. وأدباء مصر.. والعلماء البروليتاريا
بتشريف طيب، حظيت بالمشاركة في مؤتمر أدباء مصر في سوهاج، (12 الجاري) ولظروف قاهرة لم أكمل لليوم الأخير، الرسالة التي وصلتني من معظم مداخلات المؤتمر كانت بنفس قوة ودلالة الرسالة التي وصلتني من زيارتي لمنازل بعض أصدقائي من العاملين معي بالقاهرة في دورهم المتواضعة جداً، الجميلـة ـ بهم ـ جداً، في "كوم يعقوب" مركز أبو طشت.
الصعيد هو الصعيد، لا أحد يعرفه إلا إذا اختبر مذاقه مثل مذاق الويكة (البامية المهروسة المشطشطة)، وصلتني حركية الناس "بلا لوحات حكومية" مثل حركية التك تُك، كما بدت لي بهلوانية السيارات على الطريق الزراعي كموتسيكلات تجرى رأسياً على جداري دائري أملس في سيرك أسطوري ملك "أولاد الحاج أبيدوس"، من المؤتمر والناس تضاعفتْ آلام تفاؤلي المزمن، حتى قلت للمحافظ اللواء محسن النعمانى، وللدكتور أحمد نوار:"الله يسامحكم، هل أنا ناقص؟ سأعود لأبدأ من جديد، بأمل جديد، وألم جديد، برغم كل شيء". ردّا رداً طيباً نبّهني إلى بعض ما أحاوله هنا وهناك. الدكتور أحمد مجاهد لا يهمد، والشاعر مسعود شومان لا ينطفئ، والجميع فرحون بشيء ما، شيء طيب قادم لا محاولة، لعلة هو ما لاح لنا في فيلم سيرة محمد عفيفي الذي عرض ذات مساء، لتؤكده أمسية سيد حجاب الشعرية الحيوية المزَلْزلةْ.
المؤتمر كان عن "مراجعة الدور المصري في معظم المجالات" (أو كل المجالات) وليس فقط من مجال الأدب، تساءلت: هل هذا من حق الأدباء؟
أجبت نفسي: نعم، بل هو واجبهم. استقبلت العنوان باعتبار أن المقصود هو: "مراجعة دور"الإنسان المصري"، وليس بالضرورة"دور مصر " الوطن، أو مصر الدولة". لم يعد الإنسان المصري مثله كل إنسان الآن عبر العالم يعمل لنفسه فقط، ولا حتى لبلده، هو يعمل بالأصالة عن نفسه والنيابة عن كل الناس.
إنقاذ البشرية أصبح "فرض عين "على كل فرد حيثما كان، إذا قام به البعض لا يسقط عن الباقي. الأديب المصري المبدع الحقيقي هو ممثل شرعي للإنسان، بدءا بالإنسان المصري حين يستوعب وعى ناسه بلحمة ودمه، ليس للزيف فيه نصيب، ليفرزه إبداعا قابلا للتواصل العالمي، بعد أن أتيحت الفرصة بثورة المشتبكات المتلاحمة أمميا دون حدود أو وصاية أو رقابة، الرقم الذي أعلنه الدكتور مصطفى الضبع في المؤتمر عن عدد "مواقع" الإنترنت الخاصة عبر العالم والذي يربو عن ثلاثين مليونا موقعا أدهشني بقدر ما أسعدني، كما فرحت حتى الخجل من تقصيري حين سمت الأرقام التي أعلنها د.أحمد نوار عن نشاط قصور الثقافة ومساحة حركية وقوافلها خلال عام وبعض عام.
أليس من الطبيعي أن أنوء تفاؤلا مؤلما وأنا أستلهم روح الكفاح اليومي لأهل كوم يعقوب مركز أبو طشت، جنبا إلى جنب مع حيوية المحافظ الذي شعرت بطزاجة دهشته المتجددة وهى لا تقل بهرا عن مسئولية الإدارة وحفاوة الكرم الذين عشناهما في ضيافته، ليصلني كل ذلك وسط دفق معلومات نشاط د.نوار ومعاونيه؟ من واقعي المهني والأكاديمي تأكد لي ما آل إليه حالة أغلب العلماء في علاقتهم بشركات الدواء كعينة لما يجرى في مجالات أخرى، العلم "باهظ التكلفة"لم يعد تقدر علية إلا الشركات العابرة بالغة العلمية، التي تدير العالم لحسابها بواسطة الحكومات الذاهلة أو الشريكة، هذا الشركات لا تستطيع أن تشترى أديبا أو شاعرا ولا بجائزة نوبل، لكنها تشترى العلماء (دون وعى منهم غالبا). قلت في كلمتي:
لقد أصبح العالم المؤسسي كنيسة في خدمة كهنة السيطرة وباباوات التحكم في مصائر البشر لصاح الشركات العملاقة المتحالفة مع يقتصر على الخوف من سوء استعمال ناتج العلم للتدمير والإبادة، دون التعمير والتقدم، وإنما تمادى إلى الخوف من الاستمرار في تسخير العلماء لخدمة المال، دون البشر، حتى وصل الأمر إلى استخدام العلم والمعلومات والعلماء لبرمجة الناس لصالح الاستهلاك لا الإبداع، والهاء الجميع عن أولويات ما يحفظ بقاءهم ويحفز تطورهم.
العلماء أصبحوا بروليتاريا العصر الحديث، تستغلهم الشركات العملاقة بطريق أبشع وأخبث. العلماء يستنفذون بكم معشر الأدباء والشعراء والتشكيليين وسائر المبدعين الأحرار والنقاد.
قرب الختام قلت: الإبداع في كل مجال ،دون استثناء هو الحل: انطلاقا من تعديل مناهج التعليم (دون تجاوز تثوير المعلم) وحتى التضفر والجدل البناء بين كل منظومات المعرفة. إن نقد المؤسسة العلمية الاحتكارية لا يقل إبداعا وضرورة عن نقد المؤسسة الدينية التقليدية الفوقية كما أن نقد المؤسسة التعليمية الرخوة القشرية الآسنة، لابد أن يتواكب مع نقد المؤسسة الثقافية الأعلى.
اقرأ أيضا:
كفر الزيات ـجوجل ـ أمستردام (وبالعكس) / تعتعة سياسية: والله العظيم البنت معها حق! / تعتعة سياسية: أريد أن افعل مثلك يا أبى