للعنب والبلح والبرتقال والقمح يغنون!! وأحدهم يغنى لحمار!!
مازالت تدهشني العقول ويبدو أن الأزمة في أحد جوانبها أزمة عقول!!
صاحبني شقيقي الحبيب في رحلتي الصباحية إلى الزقازيق مؤخراً، وسألني سؤالاً بدا لي هاماً للغاية، قال: لماذا الرجال من حولنا خائبون؟! ولماذا النساء أذكى وأفكر؟! هكذا يتصور في مفارقة رفضتها، وقلت له: ليس قاعدة فيما أحسب، قال: هي سمة غالبة، ثم تناقشنا طوال الطريق حول تواضع تكوين الإنسان ذكراً وأنثى عندنا، وكيف أن الأسرة غالباً لا تعطيه توجيهاً، ولا تكسبه مهارة، ثم يزداد طينة بلة بالتعليم المتهافت الذي هو المتاح للأغلبية الساحقة، ثم الأعلام التخريبي الذي يفسد العقول السليمة أصلاً بعقيم النقاش، وتافه التسلية!!
تأملت في أن الحكومات العربية ربما تهتم بالعجول أكثر من العقول، وأن انشغالها بالفساد والمحسوبية والقهر يبدو مهمة مقدسة، ولا مكان ولا وقت لتكوين البشر أو الاستثمار فيهم!
أما الحركات السياسية والدينية فيبدو أنها تعتقد أن المدخل إلى إصلاح كل شيء أن تنتشر أكثر مظاهر البيئة أو السياسة، أو أن تنتشر الأحاديث عن الأخلاق، فالأهداف محدودة، والمطالب قاصرة، والبرامج متواضعة، والخطط تحتاج إلى مراجعات كثيرة، والنظرة إلى الإنسان والحياة والتحديات التي تواجه البشر ما بين التسطيح والتبسيط غالباً!!
والذين ظنوا الخلاص في موجة ما يسمى بالمجتمع المدني في بلداننا عادوا بخُسْرانٍ مبين ناشئ عن واقع وطبيعة هذه الكيانات التي نشأت فلم تفد غالباً إلا القائمين عليها!! وعمل كثير منها في خدمة أجندة مستوردة تافهة لا تهتم بالعقول، بل بالختان وغيره من أمور فرعية، أو أقل أهمية!!
فصارت الصورة مضحكة مبكية: الناس تتحرك بعقول متآكلة، وتتلقى الضربات من الاستبداد والتشدد والانغلاق، ولا تكاد تعثر على بارقة أمل أو نافذة ضوء فتعتاد الظلام تحسبه عادياً، ثم إذا لاح أمامها ضوء أغمضت عيونها، أغشى أبصارها لأنها صارت تستلذ ببهجة العمى!! ومن يقولون أنهم يرفضون التأخر أو التمييز أو التسلط يمارسونه من جهة أخرى بوعي أو بغير وعي!!
وكل من لديه خير، أو بارقة وعي فهوا غالباً....... حائر يخبط عشواء، ويهدر طاقته التي يمكن أن تتألق إنتاجا وهداية، وإبداعا متواصلا متعدد المستويات والألوان.
حولي من هذا كثير، وأنا أقف مشدوها وآسفا من هؤلاء الذين أنعم الله عليهم بجواهر في التفكير والتعبير، ثم هم يدفنون مواهبهم وسط معارك جانبيه، أو ركام ضغائن شيطانية، أو شرور بسيطة أو مركبة. هل يمكن أن أحد يصدق أن المسلمين قرابة المليار والثلث؟!! لماذا تأثيرهم محدود، وحالهم كما نرى؟! هل خلقهم الله بلا عقول؟! بلا مشاعر؟! بلا طاقات؟! أبدا... لديهم هذا كله وزيادة من عافية وستر وميزات لا يرونها، ولأنهم يرون العالم من ثقب إبرة، وزاوية محدودة فتصبح النتيجة هدرا وتضييعا وتبديدا ونزيفا، ولا شيء غير حسرتنا!!
فوجئت برسالة من زميلة تنقل عن أخرى كلاماً حول ما تصورت أنه آرائي ومواقفي، ومنها أنني من أنصار الدولة الإيرانية وضد النظام السعودي، وهرشت رأسي لأتذكر متى كتبت مع هذه أو ضد تلك، ولم أتوصل سوى إلى كارثة!!
الموضع الوحيد الذي تحدثت فيه عن إيران كدولة كان تغطية لندوة كنت أنقل وقائعها، وكنت فيها مجرد مدير، وكان المتحدث خبيراً في الشئون الاستراتيجية الإيرانية والتركية، وفجأة أصبحت أنا من أنصار دولة إيران!!
والحقيقة أن بيني وبين فكرة وأوضاع "الدولة"، كل دولة في عالمنا العربي والإسلامي مشكلة حقيقية، ولكن هذا حديث آخر يطول، وانطباعاتي عن الدولة الإيرانية سلبية جداً من ناحية موقفها من الحريات، وعلاقاتها بالمجتمع المدني، والعالم كله، وهذا منطقي وبديهي لكل من يعرف مكونات فكرى ومشروعي، أو رؤيتي للعالم!!
فجأة، وبضربة واحدة مؤسفة للغاية، أصبحت من أنصار دولة إيران، وضد النظام السعودي، ولمصلحة إيران حيث النظام يقوم على ولاية الفقيه، وأنا الذي أردد في صحوي ومنامي أنني مع ولاية الأمة على نفسها، وأنها الحاكمة وحدها في ظل مرجعية الإسلام!!
فجأة أصبحت تغطيتي لندوة ناقلاً عن آخر بمثابة رأي شخصي لي، وإلى الجحيم يا كل كتاباتي وتفاصيل موقفي، وصاحبة هذه المفاجأة طبيبة ومتفوقة في دراستها، وليست خريجة دبلوم صنايع، أو "معاها إعدادية مثلاً!!"، صدمني ذلك، ورفع ضغط دمي، ثم جاءت نكتة أخرى مشابهة فلم أجد غير الفكاهة ملاذ المصريين الأخير من الضغوط والمفارقات ووطأة الواقع كنت أتحدث مع زميلة أخرى عن أننا سنعرض لمتدربين على الإرشاد فيلمي "أسرار البنات"، و"أولى ثانوي"، وهم من الأفلام ذات الطابع الاجتماعي وسيكون هذا في إطار تدريبهم على استخدام وسيط السينما، بعدها وجدت رسالة على المحمول من هذه الزميلة تقول: (أقترح فيلم "الدوائر المغلقة" بدلاً من "مذكرات مراهقة" فهو أشمل وأهم)، اندهشت أولاً ثم انفجرت ضاحكاً!!
ببساطة لا يوجد فيلم اسمة "الدوائر المغلقة"، بل "الأبواب المغلقة"، ثم أنني لم أقترح "مذكرات مراهقة" أصلاً لكي أستبدله!! تذكرت "تأييدي" المتخيل لدولة إيران، وأفكر جدياً في اعتزال الكتابة، والغناء للبطاطس.
25/12/2006
واقرأ أيضًا:
على باب الله: الحوت صديقي/ على باب الله: في سبيل الحرية