منمنمات5 صالون الجنوب عشرة المختلفين
سألني زوجي سؤال الواثق عن أسعد لحظة في عمر زواجنا – الذي يتجاوز عامه الأول بخمس شهور- واستعرضت سريعا شريط ذاكرتنا المشتركة لأثبت لقطتين قد يظهرا للوهلة الأولى شديدتا الاختلاف . والفرق الأساسي بينهما أن إحداهما شديدة الاستثنائية والأخرى شديدة الروتينية.
الأولى كانت أثناء ما يطلق عليه عادة "شهر العسل" أو Honeymoon، سافرنا إلى تركيا وكان جانبا من رحلتنا تنسقه إحدى شركات السياحة هناك، وأثناء وجودنا في منتجع أنطاليا، أطلعتنا مرشدة الرحلة على بعض من فقرات البرنامج السياحي وأشارت لأهمها وهو ما يطلق عليه (ترميث rafting ) في نهر كوبري تشاي (جسر الشاي) – أطلق هذا الاسم على النهر حيث كان يحتسي حكام الرومان الشاي عليه– والحق أننا وبحكم خلفيتنا كطبقة متوسطة لم تعتد السفر للترفيه وحسب لم نتبين على وجه الدقة ماذا يمكن أن يكون عليه هذا اليوم.
وتجمعنا في الصباح لنتقل حافلة صغيرة ونقطع طريق طويل لما يزيد عن ساعتين من الفندق وحتى النهر وما وصلنا حتى أصر منسقو الرحلة على أن نلتقط صورا تذكارية على إحدى جانبي النهر حيث ينحسر الماء ولم تكن تلك الطقوس أو الرحلة أثناء الطريق تبشر بالخير بالنسبة لنا على الأقل، ولكن لم نكن نملك إلا الاستمرار، بدأ المنسقون بتوزيع السترات الواقية من الماء وبدأنا نتوجه إلى القوارب المطاطية وبرفقتنا زوجان من الإمارات وآخرين من مصر بالإضافة إلى مرشد لنا يوجه القارب في النهر الفسيح وكان على كل من أن يستخدم مجدافا يساهم في انسيابية حركة القارب المدهش أنهم أشاروا إلى أننا سنواجه في طريقنا منحنيات صخرية تتسبب في أن يحملنا الماء لأعلى أو يهبط بنا لأسفل.
كل هذه التفاصيل ولم نكن مدركين لحقيقة ما يحدث –أو سيحدث لنا– فجاءت المغامرة مكتملة الملامح بدأنا بشيء من التوجس والريبة ثم ما لبثنا نواجه أول منحنى صخري ونهبط من أعلى لأسفل فينكسر الخوف وتبدأ طفولتنا في القفز من داخلنا نسابق القوارب الأخرى ونتبادل رش الماء ونرتجل أغاني حماسية لتشجيع فريقنا وهكذا دخلنا في حلم حقيقي في لحظة انفصال عن كل التعقيد والتكلف الذي تلزمنا به أوقاتنا وشخصياتنا وخلعنا مسوح الجدية والدفاعات النفسية، لم ندرك حجم السعادة والمخاطرة التي عشناها إلا بعد أن مضت أيام وشهور على هذه اللحظات الاستثنائية واتفقنا على إجابة شبه واحدة أننا قد لا نكرر ما تورطنا فيه لتظل تجربة فريدة ولأن مخاوفنا من إصابتنا بأي مكروه في هذه المغامرة قد تجعلنا نحجم عن تكرار التجربة، في كل الأحوال كانت لحظات من سعادة استثنائية تصبح اكتشاف الأطفال لعالمهم الجديد بطعمه وألوانه.
أما اللقطة الثانية فهي روتينية تتكرر في الحل والترحال، حينما نجتمع -زوجي وأنا- في صمت يتصفح كل منا كتابه أو جريدته ونحتسي الشاي سويا في صمت عذب يقطعه أحيانا نظرات نختلسها كأننا نتخلى عن تركيزنا أحيانا في أجواء تشبه أجواء التلمذة، ثم لا يلبث أحدنا أن يقضي على لحظات الصمت تماما في بداية مناقشات ومناوشات حول ما نقرأ ونطالع ونستمر في تبادل برئ للاتهامات: انحيازي.. موضوعي.. متطرفة.. مهادنة........ إلخ وينتهي النقاش بقرار ألا نعيد الكرة وأن نكتفي بأن نناقش شئوننا الصغيرة بدلا من الانجراف إلى مناطق الاختلاف ثم لا نلبث ونعيد النقاش بعدها بساعات أو أيام قليلة.
الخلاصة أن السعادة يمكن أن تتكثف في لحظات استثنائية أحيانا ويمكن أن تنفرد ممتدة عبر روتين الحياة وحتى نشعر بها حقا فنحن نحتاج للاستثناء والروتين بإيقاع منتظم دون أن يطغى أحدهما على الآخر، قد لا يتمكن كثيرون –ونحن الآن منهم– على الإقدام على تجربة ال rafting أو السفر في أصقاع الأرض للكلفة المادية وضغوط والتزامات الحياة ولكننا لن نعدم سبيلا لإيجاد لحظات الاستثناء السعيدة والمهمة الأصعب أن نعتصر السعادة عصرا من روتين أيامنا ونتخلى أن طابع أصاب أغلب المصريين – للأسف خاصة في أوساط الطبقة المتوسطة - وهو التفنن في اجترار الألم والإحباط بدلا من التصالح مع النفس والحياة عبر فعل ما نحب من قراءة أو مشاهدة أو سماع . كل الود للجميع.
ويتبع >>>>>>: منمنمات 8 : ولماذا لا ننعي أنفسنا؟
واقرأ أيضاً:
في بلد البنات / ما تلبسه المصريات أيوه هي فوضى