ولا عزاء للمسلمين
يا لعار المسلمين! ندر مثل اليوم يوم، هل ذاق المسلمون مثل مرارة هذا اليوم. يا لمكر الماكرين ووي من كيدهم، وويل لنا منهم إنهم يعرفون أين المقتل منا. فلا حياة لمن لا كرامة له.
الحياة مفهوم أكبر من مجرد ممارسة دلائل وعلامات الوجود على قيد الحياة، الحياة ليست ممارسة أسباب الحياة من مأكل وملبس وتناسل، الحياة هي صنع الحياة، والمشاركة في الحراك الإنساني بايجابية وحسب المنطلقات العقدية التي يعتنقها المرء.
الحياة هي ثمرة نشاط البشر في الحياة إيماناً منهم بدورهم فيها سواء كان ذلك لغرض تعبدي كما عندنا نحن المسلمين، أو لسبب آخر عند غير المسلمين.
الحياة أن يشارك الناس –كل الناس- بفاعلية في ترتيب أوضاع الكون -مما يخضع للأسباب- حرصاً على المصلحة المشتركة التي شاءت إرادة الله أن يشترك الناس مؤمنهم وكافرهم فيها، تماماً كما ورد في حادثة السفينة التي أصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وبحسن نية اتجه الأسفلون إلى ثقب السفينة من ناحيتهم لئلا يزعجوا أهل العالية، كما أنهم يتصرفون فيما يخصهم، أي لديهم من الحجج الكثير، غير أنه –صلى الله عليه وسلم- شدد على أنهم إذا أخذوا على أيديهم نجوا –أهل الُسفل- ونجوا جميعاً وإذا تركوهم هلكوا – أهل السفل- وهلكوا جميعاً.
أما الكرامة فهي إدراك هذا الدور والحرص عليه ورفض التخلي عنه مهما كان الثمن، وأي شيء أثمن من أن يملك الإنسان ذاته، ويطوع إرادته لمراده، فهو حر يفعل ما يشاء وكيف شاء وأنى شاء، وكيف الحال إذا كانت مشيئته تلك خاضعة لمشيئة الله، ومراده هذا هو مراد الله عز وجل.
لا أظن أن العقل المسلم المعاصر يعاني اليوم من شيء قدر معاناته من التباس المفاهيم، ولا يكاد يختلط عليه أمر قدر اختلاط تلك المفاهيم عليه، وهذا هو سبب وجود ازدواجية وتضاد بين أقوال الناس وأفعالهم، وهو ما عابه القرآن على المسلمين في لحظة ما ورفض أن يكون ذلك هو خلقهم "((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)) (الصف 2 و3 )".
على الناس أن تفهم معنى الحياة ليقدروها قدرها، وليضعوا أنفسهم حيث شاء الله لهم، فإن رحت تسأل الناس عن معنى الحياة ومعنى الكرامة سلكوا في ذلك كل مسلك إلا المسلك الحق "(..... وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ....)" (الأنفال:من الآية 7) حتى فشى في الناس قناعة "عيش نتن تموت مستور"! يا للعجب يستر في الدنيا بين خلق قليل ويفضح في الآخرة بين كل الخلق !.
علة الحياة... لماذا خلقنا الله?
من نحن ولماذا خُلقنا؟ نحن خلق الله، خلقنا لعبادته ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) (الذاريات:56 )، وأوكل إلينا أمر عمران أرضه "((.....هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا .....))" (هود:من الآية61)، ويكأن أمر العمران لا يقل أهمية عن أمر العبادة بل هو نوع من العبادة، عبادة لا يقدر عليها غيرنا من الخلق حتى الملائكة! "((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)) (البقرة :30)... ((قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)) (البقرة : 32 )"، سبحان الملك، لا تعارض البتة بين العبادة والحراك الحياتي، بل إن كل ممارسة حياتية عادية ُتقوم للإنسان المؤمن وكأنها عمل تعبدي حتى أنه "في بضع أحدكم صدقة" وحتى "اللقمة يضعها في فم زوجته صدقة". فنحن نعيش في سبيل الله، فإن أبى علينا أعداؤه ذلك، فلنمت في سبيله، فإما حياة في مرضاته أو ميتة ترضيه ولا خيار غيرهما.
الموت ميزان الحياة
نعم هو كذلك يكسر الجبابرة ويذل الطغاة ويعظ الغفلى، ويستنهض الضعفى، ولسان حاله يقول "من لم يمت بالسيف مات بغيره" فاختر لنفسك ميتة طيبة، ترضي بها من عشت له. مم نخشى؟ من الموت؟ إنه قادم، نعم ولا فوت، قادم في ميقات مؤقت ولك أن تختار حال موتك واعلم أنك ُتبعث عليه، لا تخش كثرة السيوف فلن يقتلك غير سيف واحد، ولا تنشغل بأيهم هو فلن يرده عنك ذلك، ولكن اعمل على أن تكون ميتتك لخالقك كما هي حياتك له.
هل أخطأ صدام؟
نعم. وكيف لا وهو لم يقدم لحياته! نعم حياته التي بدأت فجر أمس فجر يوم عيد المسلمين، حياة جديدة مختلفة تزيد في المتعة عن أيام ملكه، وتزيد في الشقاء عن عاميه الأخيرين، فلا مجال للمقارنة!!
قيل في حق الرجل الكثير بالخير والشر، غير أننا هنا نريد أن نثبت أنه أخطأ خطأ أكبر من الحادثة التي اغتيل على هامشها، نعم اغتيل كغيره من العراقيين، فالمحاكمة هي تطبيق للقانون وأي قانون في العراق الآن! بل أين العراق نفسه الآن؟! أخطأ صدام لما اغتر بسلطته، رسب الرجل بجدارة في اختبار السلطة الذي يجريه القدر للبعض ممن يبتلى بكرسي السلطة، فظن أن لن يحور، واستبعد الموت، وزوال السلطة، وها هو يعاني من كل ذلك حال حياته فتزول سلطته ويذل بعد عز ولا يجد له فيمن حوله ولياً ولا نصيراً، لم يصنع رجالاً حال حياته، فافتقدهم حال موته، حتى لقي مصيره المحتوم وأمره على بارئه لعله ُغفر له أو لعل لسان حاله "((مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ* هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ)) (الحاقة : 28 و 29)".
لم يفهم صدام معنى الحياة وغايتها ومراد الله منه فيها، لعل بعضنا يقول فهم ولم يعرف كيف يتصرف، إن ما يزيد عن ثلاثين من الفهم وعدم القدرة على التصرف، ذنب أكبر منها عذر.ماذا ليه لو رد الأمر لصاحبه وأعمل في الناس كتاب ربهم، وعدل بينهم وساقهم إلى مولاهم بالرفق حيناً وبالشدة حينا، وكان منهم كالراعي يسوق غنمه إلى المرعي ويسوسهم في ذلك كثيرا. ترى هل كان ينقص ذلك من مكتسباته شيئاً، هل كان ذلك سيؤثر سلباً على ما لديه من الأموال أو ما حاز من الأملاك، وأين هذه الأموال والأملاك منه الآن وماذا قدمت له، غصبها هو من الناس وغصبها منه الأمريكان وها هو يساءل عنها بالنقير والقطمير وبمثاقيل الذر.ُ ترى متى سينتهي حسابه حتى لو كان مصيره الجنة؟!!!.
الأمريكان يفهمون
نعم يفهم الأمريكان عقيدتنا وديننا، ويفهمون مراد الله منا، تماماً كما يعلم الشيطان الحق ويصد الناس عنه، وكيف لا وهناك تعارض مصالح بين الطرفين. الأمريكان يريدون أرضاً خالية من المسلمين، فليس غيرهم تدفعه عقيدته إلى الإصلاح والإعمار بغرض تعبدي كما عند المسلمين، ليس هناك ملة يموت أصحابها في سبيل دينهم كما هو حال المسلمين، وهم إذ يتعجبون من العمليات الاستشهادية يسعون حثيثاً إلى تغيير المفهوم واستبداله بمصطلح الإرهاب، حتى ينفض الناس –حتى المسلمون منهم– من حوله.
فإذا قامت للإسلام قائمة، فهي إذن بداية نهاية سطوة الغرب الذي تقوده أمريكا، ولهذا تسعى أمريكا وأذنابها الدولية إلى رعاية النخب العربية الإسلامية التي تعتنق مفاهيماً مغلوطة تضر أكثر مما تنفع، أو تفهم ولا تفعل لمدة ربع قرن كما في حالة صدام حسين!!!
الأغبياء يمتنعون
ليس بين المسلمين أغبياء، لا يعرف الإسلام الغباء، كيف لا وهو دين العقل، أما إذا تبين أنه بين المسلمين غبي فلينظر في إسلامه ففيه نقص. لا يحتاج الأمر لعلم خاص لكي يفطن المرء لحقيقة الوجود وطبيعة الحياة ومراد الله منها، ولم لا وقد أشهدنا ربنا على أنفسنا بربوبيته وشهدنا له بذلك "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلي شهدنا..." الله خلقنا فهو إذن ولي أمرنا ووكيلنا وحسيبنا نعيش له ونموت فيه. لم يعي بخلقنا، ولم يعظمه رزقنا، ومازال يمنحنا رغم كفرنا وجحودنا. ثم يأتي من يدعي أن هناك نقص في الثروة أو ضرورة للخضوع لذي بطش خشية بطشه، ليت شعري كيف توصل إلى هذه النتيجة وهو يؤمن أنه لله خزائن السموات والأرض، والآخرة خير وأبقى!!!
من يتحملها؟
من يهتم بأمر العلم والعمل بما يمليه هذا العلم؟ النخب الحاكمة أمثال صدام؟ أم الشعوب اللاهية أمثال الشعب العراقي؟ النخب أسيرة الخوف، سواء الخوف من ثورة الشعوب المقهورة من الداخل أو من سطوة القوة الغاشمة من الخارج؟ فهي تستكين للأخيرين وتلعق الحذاء، وتستأسد على الأولين وتخرج لهم نفس اللسان وعليه تراب أحذية الأمريكان. أما الشعوب التي لم تحرك ساكنا عندما انتهكت الأعراض فلا تنتظر منها الكثير، فليس بعد العرض جرح، وما لجرح بميت إيلام.
هل من حي؟
نعم هل هناك أحياء في تلك المقبرة العربية الإسلامية مترامية الأطراف؟ هل هناك قلب مازال ينبض بالتوحيد؟ وهل هناك لب توصل لحقيقة الحياة وجدلية الموت؟ وهل هناك من يعلم ويريد البوح؟ هل هناك من يجرؤ على أن يدعو برفع اللواء؟ هل من يريد أن يختار لنفسه ميتة سوية؟ لن يختار موته من عجز عن أن يختار حياته!!
البيعة
علينا أن نستغل التكنولوجيا بكل معطياتها والانترنت على وجه التحديد لتحقيق نوع من التقارب بين العقول المنشغلة بالهم العام، على أن يكون ذلك مجرد خطوة على سبيل تحرك أكبر يتمثل في تشكيل مؤسسي شرعي كامل الأهلية يضم تحت لوائه من أراد أن يعيش حراً ويموت شريفاً ولا يبالي بما يلاقي في سبيل كلا الأمرين.
غير أنه تحضرني أبيات الدكتور وائل أبو هندي في هذا المقام:
لماذا لماذا؟
أمانا... خرجنا نريد الأمانْ! خرجنا.. نعزُّ الزمانَ المهانْ
فكلبٌ لنهشٍ أتى باسم أمْنٍ وكلبٌ جرى باسم شعبٍ جبانْ
لأنا خرجنا طوالاً عِراضًا شدادَ الصياحِ ضعافَ الكيانْ
لماذا لماذا؟؟ لماذا لماذا؟؟ لأني جبانٌ.. وأنت... جبان
فهل من يخلع ثياب الجبن، فما ثوب البقاء بثوب عز فيطوى عن أخي الخنع اليراع؟
بقلم:
أبو عبد الملك من مصر
31/12/2006
أهلا بك "أبا عبد الملك"، جاءت مشاركتك هذه موضوعية متوازنة في أغلب معانيها ومدلولاتها، أتفق معك كثيرا بالعقل وأتفق معك كليةً بالقلب.... ولا أجد مجالا كبيرا للرد تعليقا على كلماتك الطيبة خاصة وأنني أمطرتني المشاركات في تلك المدونة.......... فقط أود الإشارة إلى أن الأبيات التي استشهدت بها في آخر مشاركتك هي أبيات للشاعر ولفوت كتبها سنة 1986، أثناء هجوم قوات الفرق الخاصة على مجموعة من طلبة الجامعة كانوا قد خرجوا بالمظاهرة خارج الحرم الجامعي إلى الشارع، لأن الأمن لم يبق لهم حرمة داخله، وقد شاركت في تلك المظاهرة -احتجاجا على ما قيل أنه انتحار الشهيد سليمان خاطر- ولكن صاحب الأبيات ولفوت ولذا لزم تصحيح نسب الأبيات لصاحبها وكان الله بأمره عليما، ولا إيه يا أبا عبد الملك؟
ويتبع >>>>>>>: لماذا تنعي مجانين صدام حسين مشاركات
واقرأ أيضًا:
لا أكفرُ..... بذا البلد! / شيزلونج مجانين: شهوة التصوير