لكل إنسان أشياء بعينها، يحبها ومع ذلك ليس من المفترض أن يفعل دائما ما يحب... صحيح.. ولكن ماذا لو كان لديك ماتعلم جيدا أنك تحبه وتهواه ومع ذلك تقرر بكامل إرادتك أن تتركه.. هل يعد ذلك جنونا أم عشقا وهياما واحتراما أم أنه بكل بساطة اعتراف بأنك غير قادر على الاستمرار. هكذا هي مهنتي كمذيعة إخبارية بالنسبة لي.
عندما قررت أن أحصل على إجازة من الحروب ربما كان ذلك استسلاما وفقدانا للأمل وربما كانت تلك وقفة لتحسس الطريق وإعداد العدة كي أخوض معركتها مرة أخرى (إنها الحياة).... وها هي الإجازة بدون مرتب التي بدأتها لعام من قطاع الأخبار بالإعلام المصري تشرف على الانتهاء.... فهل أعود إلى أهلي وناسي غير المالكين للقنوات الفضائية الذين تربيت وسطهم في الإذاعة والتلفزيون المصري والذين أدين لهم بفضل الاعتراف بي كمذيعة متميزة ولكن يواجهني السؤال المهم.. هل تغير شيء مما حصلت بسببه على إجازة وأجيب بسهولة... بالتأكيد لا.فمازال الإعلام المصري في انهيار وكل المحطات الفضائية تقريبا تفوقه في المصداقية بنسب متفاوتة...
الأوضاع الظالمة التي تثير الألم في نفس كل ذي ضمير مازالت هي هي وأصحاب الثقة مازالوا هم أصحاب الخظوة والأجور المرتفعة والبرامج والمواقع القيادية وذلك على حساب أهل الكفاءة - في أغلب الأحوال-... إذن لماذا أفكر في العودة رغم دراستي لبعض العروض المغرية التي قد تؤدي لو وفقت في أحدها لأن أترك مصر لفترة أو إلى الأبد.... أعلم أني لن أغير الكون ولا حتى التلفزيون فليس بمقدور العبد الفقير إلى الله أو حتى جني فانوس علاء الدين أن يؤتي تلك القدرة حيث لا توجد الإرادة... ورغم ذلك أعلم أني لو أتيحت لي المساحة الحرة ولو لنصف ساعة فيمكن أن أستعيد فيها بعضا من ثقة المواطن في إعلامه الوطني فلا يتحول خلالها عن قناته الأولى.
وفي نفس الوقت لا أملك قناعة بأن الطريق سيكون مفروشا بالورود، حيث أتذكر آخر صداماتي عندما اعترضت مستخدمة حقي في التعبير على دورة تدريبية لا تحترم العقل ولا العصر فتم التحقيق معي قانونيا ووقع على جزاء بخصم خمسة أيام من مرتبي، تم وقفه فيما بعد من الجهة الأعلى التي حولتني أصلا للتحقيق، يومها كنت يائسة فهل أعود إلى قناعاتي بأن كل يوم فيه ألف ألف احتمال للتغيير وعدم اليأس، وإن دي بلدنا وما ينفعش الكل يقول مليش دعوة.هل أعود إلى ناسي الذين يدفعون الفلوس التي تمول تلفزيون الدولة.
هل هو عيب أن لا تقدر على فراق الأحبة، ربما. ولكن لتغفروا لي فتلك إحدى نقائصي فكيف لي أن أقطع حبلا سريا ربطني لسنين طويلة. فلأعود وأحاول التغيير حتى أفقد الأمل أو يقضي الله أمرا كان مفعولا.
واقرأ أيضاً:
تقليل الضغوط يحمينا من الأمراض/ تعبت من كثرة التفكير؟