منمنمات (7) ىساء فوق الخمسين: التعطش للتقدير
كم الخلط الذي تمتعت به خطاباتنا ومواقفنا على إثر تنفيذ حكم الإعدام ضد الراحل صدام حسين مذهل!! فنحن لم نعد نعلم على وجه الدقة ماذا تعني مفاهيم: المقاومة، الشرعية، الاستبداد، الاستشهاد...، ناهيك بالطبع عن عدم قدرتنا على تحليل مشهد الإعدام بملابساته واستشرافنا لما بعده.
لا أريد أن استفيض كثيرا في ذكر المقولات والمواقف المختلفة تجاه تنفيذ الحكم، وباختصار فالغالبية العظمى منا ضد "الشكل" الذي تم به تنفيذ الحكم سواء شكل اللحظات الفعلية للتنفيذ أو الشكل القانوني والإجرائي الذي أدى لمثل هذا الحكم. أتفهم هذا الموقف واقدر الغضب الذي صاحبه ولكنني لا أرى أنه يجب بأي حال أن يفوق الغضب المطلوب مما أصبح يشكله المشهد العراقي ككل فمئات الضحايا يسقطون يوميا في غياب مفزع لأي عامل عربي أو إسلامي مؤثر بما في ذلك العامل الشعبي الذي انتفض أغلب ممثليه غاضبون ولم تنجح حتى صور وشكل إخراج عملية إعدام في أن تداعب ذكائهم الجمعي ليفهم أن هناك من ينفث في نيران الطائفية المشتعلة أصلا في العراق لتكتم سحبها على أنفاسنا جميعا فنجد أصواتا سعودية كثيرا تعزف على هذا النغم بل ومصر التي لم تعتد مثل هذا الحديث عن سنة وشيعة تعلو فيها أصوات (منها وللعجب أصوات رسمية) تندد وتحذر من خطر الشيعي الإيراني الأكبر.
وسواء سلمنا بمنطق المؤامرة أو لم نسلم فأنا اتفق مع من يرون أن هذا كله في سياق تحضير المنطقة لموقف تصعيدي ضد إيران سواء كان هذا التصعيد سياسيا أو عسكريا، وهو أمر لن يكون في صالحنا على الإطلاق مهما حاول البعض أن يقنع نفسه بأن الخطر الإيراني مثله مثل الخطر الإسرائيلي ففي ذلك ضلال سياسي وثقافي كبير.
وبدلا من أن نلتفت لبؤس أدائنا الذي أوصلنا إلى تلك اللحظة التاريخية الحرجة، انزلقنا في دراما عبثية من ردود الفعل ونقاش حول شخص صدام حسين الذي أسقطت عليه هالات من القداسة والبطولة والشرعية نجح في أن يحصل عليها غصبا في حياته ضمن نظامه البوليسي الديكتاتوري وقدر له أن يحصل عليها بعد مماته ربما لما نتمتع به من قابلية للاستبداد وربما لأن الموت بطبيعته يضفي مثل هذه الهالات على الراحلين فما بالنا بميت مثل صدام وميتة كميتته.
وعلى سبيل المثال فهل يعقل أن تغيب عنا قدرتنا على الإدراك حتى نضع صدام بتاريخه الملئ بالاستبداد والتجبر وبما مكنه الله من حكم لشعب (ونحن نعلم جميعا مسئولية الحاكم أمام ربه عما يفعل بشعبه في السلم والحرب) مع مجاهد مثل "عمر المختار" اختار أن يواجه المحتلين كقائد تواضع أمام جنده وحارب في صفوفهم ولم تكتب له تجربة حكم شعب ليتفنن في إذلالهم ولا يقيم العدل بينهم؟ كيف أمكننا أن نخلط بين النماذج البشرية والمفاهيم الواضحة إلى هذا الحد؟!
وهل الحديث عن أن صدام هو الحاكم الشرعي للعراق لا يفتح بابا للسؤال حول مفهومنا للشرعية؟ افهم أن الاحتلال احتلالا والمقاومة مقاومة، لكني أقف عند شعوبنا التي ترتبك مواقفها تجاه حكام نعلم علم اليقين أنهم باقون في مناصبهم بفضل تركيبة معتقة من التزوير والفساد وإرهاب المعارضين والاتكاء على صمت وكسل من يحكمون، واقف لأسأل إذا كنا نرى في صدام – بعيدا عن مناقشة كونه بطلا أو شهيدا- رئيسا وقائدا شرعيا فلماذا لا نرضى بخطط النظام المصري الحاكم في خنق الحياة السياسية والحزبية ونوايا التوريث والتباس التعديلات الدستورية وغيرها من مظاهر تتلبس مسوح القانونية والشرعية.
اعلم أن الأسئلة شائكة والوضع متردي في أوطاننا ولكن الأكثر خطرا أن نفقد بوصلتنا ونصل بالخلط إلى مداه الأبعد، وألا ننشط إلا في معارك كلامية مغلوطة. وإذا كان هناك من يستحق النعي والبكاء فهو حالنا الذي ولى علينا صدام ومن شابه وعجزنا على أن نبصر الحق ونفعل الواجب في لحظة استباحتنا، قاتل الله التضليل.
واقرأ أيضاً:
في بلد البنات / ما تلبسه المصريات أيوه هي فوضى