كنا شباباً متحمساً نطمح إلى تغيير العالم للأفضل، وكان من هتافنا الدائم: يا حرية فينك.. فينك؟! وتغنيت يوماً بيني وبين نفسي:
الحرية مسئولية، مش كلمة جميلة نرددها، الحرية وسيلة مش غاية، ويا ويلك ياللي تقيدها!!
وخضت شطراً من عمري، ودفعت وقتاً ثميناً، وأشياءً أخرى غالية في سبيل الحرية، حريتي، وحاولت أن أجاهد من أجل حرية الآخرين، ووجدتني أوافق مع عنوان الكتاب القائل مطلبنا الأول هو الحرية، وصرت لا أتصور نهضة ولا انعتاقاً من التخلف إلا في ظلال الحرية، هذا أو يظل أي إنجاز مهدداً ببطش أو اعتداء خارجي يهدمه من أساسه، أو يرحل الديكتاتور الناجح فيترك المكان خاوياً لصفوف من الفاشلين، فيصبح الوضع البائس الحزين الذي نعيشه في أكثر من وطن: لا إنجاز ولا حرية، لا لقمة عيش، ولا مساحة صوت بتعبير يدعو للتغيير!!
وظلت علاقتنا ملتبسة بالحرية، رغم أنها "ليلى" التي ندعي كلنا ـ غالباً ـ وصلاً بها، وليلى لا تجف دموعها!
وأمامي نموذجان حالياً يفصل بينهما عقدان من السنين تقريبا. إحداهن حصلت على حرية لم تخط بها أية واحدة ممن حولها أو في مثل ظروفها، هي حرة بمعني أنها تفعل ما تشاء، وتقول ما تشاء، وتتحرك كما تشاء، فماذا أنجزت؟!
مأساة تمشي على قدمين، وركام من المشكلات والأزمات والآلام والسخائم تهرب منها إلى لا شيء، ولا مكان، ولا أحد!!
ماضي مليء بالإخفاقات، وحاضر متعثر يترنح، ومستقبل مكون بألف سؤال فتهرب من المواجهة، وتغرق في التبدبد!!
والأخرى حبسها أهلها حفاظاً عليها باسم الدين أو العادات أو التقاليد، وهي لا تريد سوى كسر الطوق، والخروج من المصيدة، لتصبح حرة، وماذا بعد؟!
ليس لديها إجابة، فقط هي تريد الحرية، وممارسة حقها في الاختيار!!
وتلك كلها قصص ومقدمات قد تساق لتبرير الاستبداد، ولكن هذا بعض وضعنا، المأزوم: منا من حصل على حريته الشخصية، ولا يدري ما يفعل بها، والنتيجة أن تفعل هي به الأفاعيل!!
ومنا من يصرخ مطالباً بالحرية، ولا شيء بعدها، لا خطة ولا فكرة ولا خريطة للعالم، أو للحرية فيه!!
وكتلة ثالثة تتفرج وكفى، رصيدها من الوجود أصوات تصدرها معترضة أو مؤيدة، لكنها لا ترى لها مكاناً أو مشاركة غير بكلمة هامسة أو زاعقة!!
متابعة بسيطة لمهرجان إعدام صدام، وأقول مهرجان لأنه تَحوَّل فعلاً إلى ذلك، والملايين فجأة صار لهم رأي وموقف: مع أو ضد، وتغرق في الضحك الباكي، أو وجع القلب من كثرة الأسى والفكاهة، حين تتابع كيف ينطلق الناس من فكرة ما بسيطة أو بدائية بالأحرى، جزئية، وأحياناً غير منطقية، ولا محل لها من التقدير، لكنهم ينطلقون منها ليكملوا منظومة الروايات العبثية التي نعيشها، يُصدر بعضهم صكوك غفران، ويصب آخرون اللعنات صَّباً، وكفى!! يعني "فشة خلق" كما يقول إخواننا اللبنانيون!! أو طق حنك كما يقول المصريون.
العراق يحترق، ويأكل بعضه بعضاً، ولا جهد ينطلق رسمياً أو شعباً مؤثراً ليتداخل مع الطحن الدائر على الأرض، وكأن مستنقع الدم، وبحيرات الأشلاء، وركام الآلام هي مسئوليات المحتل الأمريكي، وكفى!! وكأن البكاء أو التباكي على صدام، أو لعنه بكل لفظ يعين العراق!!
ووسط الضجيج تشعر بأن ملايين من العرب لم يعرفوا أصلاً مذاق الحرية ليفتقدوها، أو لديهم شكوك قوية للغاية أنهم يستحقونها، أو أنهم سيحصلون عليها يوماً، وبالتالي فهم يقايضون عليها بأبخس ثمن، وأحياناً بدون مقابل على الإطلاق، وهو ما أفهمه أو أتفهمه رغم بؤسه، لأننا صرنا نختار بين السيئ والأشد سوءاً، ولا منطق لدينا ولا تمييز، وربما أعود.
واقرأ أيضًا:
على باب الله: هل أغنى للبطاطس؟!/ على باب الله: في مديح المغاربة.... المصرية رائدة مشاركة