جلس الرجل مسترخيا أمام التلفزيون وهو يتابعه، لكنه لا يتابعه، سيان.
كان في انتظار شقيق زوجته، الذي لن يأتي، كان في انتظار حقيقي مع أنه على يقين بأن الزائر ليس عنده وقت، ومع ذلك فهو لا يكف عن الوعد بالزيارة، مباحث أمن الدولة!!، من ذا الذي يحفظ أمن الدولة إذا انتبه رجالها لصلة الر حم؟
هو لا يحبه ولا يكرهه، هو ينتظره فقط لا هو يتوقف عن الانتظار، ولا الآخر يأتي، زوجته ـأخت الزائر المنتظرـ على العكس من ذلك، واثقة دائما أنه سيأتي، وأن هذه المرة هي غير كل مرة، هو شقيقها وهي تعرفه، وهو لم يخلف وعده أبدا، قال لها الرجل "أبدا !!!؟؟؟" قالت دون تردد "أبدا". لم يسمعها الرجل وهي تضيف لنفسها: "من أنت حتى تعرف ظروفه؟".
جرس الباب يدق، يا خبر!! هذا هو، فعلها أخيرا وأتى، هرولت أخته نحو الباب وهي واثقة، وقد أعدت وجه الشماتة في زوجها، فسرعان ما ستعود وهي متأبطة ذراع أخيها الحبيب.
ليس هو!! أخذت الأم تعنف ابنها على التأخير وأن عليه أن يتذكر أنه في الابتدائية، وأن هذا العام ليس مثل كل عام، اعتذر الولد بتمتمات غير مفسرة، وانصرفت هي إلى المطبخ، في حين توجه الولد إلى الردهة حيث يجلس والده مصلوبا أمام التلفزيون، لا هو يعلي صوته أو يخفضه، ولا هو يغير المحطة، قال الولد: "هل أنت تشاهد التلفزيون يا أبي؟، قال الوالد وهو لا ينظر إليه: "كما ترى؟" مضى الولد: "هل عندك مانع أن أغير المحطة؟" قال الرجل: "لا أعرف".
ثم قام دون توقع وترك الردهة إلى الشرفة دون أن يسأل أبنه عن أي محطة يريدها، فهو يعلم الجواب: إما ماتش كورة، أو أغنية شائطة من أشلاء الأفخاذ والنهود المتطايرة على أنغام حارقة، اكتشف الرجل أنه ليس عنده مانع، ولا بديل، فوجئ أن الولد أطفأ التلفزيون وتبعه إلى الشرفة ليسأله بجدية وعلى غير توقع: "أبي؟ ما هي حكاية الإخوان المسلمين هذه؟"
لم ينزعج الوالد ـ ربما نسي الانزعاج ـ فأجاب ببرود: "وأنا مالي؟" قال الولد مالك كيف؟ أليسوا هم الذين سيحكمون البلد؟ " قال الوالد من قال لك هذا؟ ثم أردف "وفيها ماذا؟!!"، قال الولد: "وماذا سيتغير حين يحكمون البلد"، قال الرجل "وأنا إيش عرفني؟"، قال الولد "إذن من الذي يعرف؟ قال الرجل فورا: "خالك"، قال الولد وهو يخشى أن يكون قد سمعه، ويبدو أنه سمعه، لكن الرجل تناسى ذلك قائلا: "اسأله يا أخي، الله!!!!". قال الولد "ولكنني لا أراه أبدا"، قال الرجل "هو قادم اليوم يا حبيبي"، قال الولد: "صحيح؟"، قال الرجل وهو ينظر إلى المطبخ "اسأل أمك".
ذهب الولد إلى أمه في المطبخ وسألها: "هل صحيح أن خالي سيحضر اليوم؟ قالت له مائة في المائة، قال: لماذا؟ قالت: "ليراك أنت وإخوتك، ويراني"، ثم أردفت: "لماذا تسأل؟ هل اشتقت إليه يا حبيبي"؟، قال الولد "أبدا" ثم أردف بسرعة "طبعا، اشتقت جدا"، لماذا تقولون دائما أنه سيحضر، وهو لا يحضر أبدا"، قالت الأم " لأنه مشغول بأمن الدولة"، قال: "يعني ماذا؟" قالت الأم في انزعاج: "ماذا جرى لك اليوم يا حبيبي؟ لماذا هذه الأسئلة كلها؟" قال: "أبدا، فقط أردت أن أعرف منه ما لا يعرفه أبي"، قالت الأم وقد اطمأنت: "عندك حق، فخالك يعرف كل شيء"، قال لها "وهو يعرف من الذي سيدخل الجنة، ومن الذي سيدخل النار؟"، انزعجت المرأة ونهرته: "ما هذا الذي تقول؟ الله سبحانه هو الأعلم، ومع ذلك فخالك يعرف كل شيء"، قال لها: كل شيء؟ كل شيء؟"، قالت "كل شيء".
ساد صمت طويل نسبيا حتى تركت الأم ما كان بيدها يشغلها بالمطبخ والتفتت إلى الولد فوجدته لم يبرح مكانه وقد امتقع وجهه، تقدمت إليه وسألته: "ماذا بك يا حبيبي؟ لم يرد ـ فعادت إلى ما كانت فيه.
هو الذي تقدم إليها هذه المرة، وقد ازداد وجهه امتقاعا، قال فجأة:
ـ "أمي، أنا خائف"
فزعت المرأة والتفتت إليه ووضعت يدها على جبهته وسألته بانزعاج:
ـ "ماذا ؟ ماذا بك ؟"،
أفاق الولد بسرعة، ولبس وجها وضع عليه ابتسامة هروبية لم تلحظ أمه زيفها وقال:
ـ " أبدا.... كنت أمزح".
اقرأ أيضا:
سوهاج.. وأدباء مصر.. والعلماء البروليتاريا / تعتعة سياسية: أريد أن افعل مثلك يا أبى / تعتعة سياسية: أولادنا! والحزب الوطني. الإخواني (وبالعكس)