على غير موعد مع المشاكل, سمعت جلبة وصوت بكاء بغرفة الولاد الحلوين, انتظرت قليلاً فلربما يكون خلافاً بسيطاً وينتهي من منطلق أنه من المفيد صحياً أن يحل الصغار مشكلاتهم بأنفسهم أحياناً ويتدربوا على ذلك بدون تدخل مني أو من والدهم في كل مرة, لاسيما إذا كانت "خناقاتهم" لا تنتهي.. تقريباً!
المهم المشكلة المفاجأة والصادمة أيضاً أن المحروس "نور الدين" كبير أخواته البنات 11 سنه بس استطاع استقطاب أحد زملاء "سندس" ابنتي الوسطى 9 سنوات في الفصل وعمل معاه "صحوبية" لكي يحكي له يومياً ما يدور مع سندس في الفصل وينقل له أخبارها أولا بأول بحجة أن سندس لا تحكي له وأن من "حقه" أن يعرف عنها كل شيء!
ولأن طبيعة سندس أعرفها جيداً فهي كتومة وحساسة للغاية وخجولة وهادئة, لا تميل لتحقيق انجازات تسلط عليها الأضواء وإنما تحب دائماً أن تحوز الرضا والاهتمام لمجرد أنها إنسان يريد ذلك, وهي تشعر أن نور الذي يكون صديقها في بعض الأحيان ينقلب عليها في أوقات أخرى إلى واحد يتلصص و"يتقص" لكي ينقل ذلك للسلطات العليا بالبيت.. فهو في نظرها صديق غير أمين ولكن صديق يقوم بدور التوجيه والنقد وهذا طبعاً شيء مزعج, وأحياناً كثيرة أيضاً يتعاون مع السلطات البيتية ضدها وكان هذا هو مبرر سندس الذي أفهمه والذي حكته بنفسها على غير عادتها فهي تخاف حتى أن تفصح عن رأيها في أي شيء, وهذه هي المشكلة الأهم في رأيي في شخصية ابنتي والتي بصددها أستشير كثيرا وأحاول تغيير ذلك فيها وأعوّل على نضج عقلها في السنوات القادمة وتجارب الحياة التي حتماً ستعلمها وتغيرها إضافة إلى مجهودات أسرية أحاول بذلها.
ولكن الجديد والصادم فعلا بالنسبة إليّ كان تصرف المحروس الكبير الحنون المفعوص اللي مشغًل "ناضورجي" على أخته.. من أين أتى بهذه الفكرة ولماذا؟ إنه لا يشاهد أفلاماً عربية, وحياتنا الأسرية فيها كثير من ضمانات الدفء والانفتاح وتربية الضمير الداخلي وليس تعيين رقيب خارجي على كل فرد فيها بل ومن خارج الأسرة؟!
طبعً لا أخفيكم سراً أنني كدت أجن.. ليه يا ابني, ليه هذه التصرفات غير المحترمة؟! طبعاً كنت أردد هذه التساؤلات داخلياً بينما أحاول بهدوء أن أبين له أن هذا تصرف غير سليم أبداً وأنه بذلك يؤذي أخته ولا يطمئن عليها كما يزعم, ويكفي أن يوحي إلى زميلها أنه لا يثق في أخته ويريد أن يعرف أخبارها بهذا الشكل, كما أن ذلك يدخل في باب خلق رديء اسمه "ولا تجسسوا" وهذا خلق سيء منهي عنه لا ينبغي أن يتصف به أمثاله من حفظة القرآن والفائقين دراسياً وأنه لا يرضى لنفسه أن يعين أحد منا رقيب عليه أبداً و.. و.. وهكذا أخذت أسوق الحجج حتى أقنعه وأوقفه عن هذا الفعل غير اللائق واعتبرته بالفعل بيني وبين نفسي مؤشر خطر في شخصية ابني لو استمر به الحال هكذا ولم يتزن ومؤشر خطر أيضاً في علاقتهما التي بدت في حاجة شديدة إلى الصيانة والترميم وإعادة الثقة!
بدا لي ابني للحظات سرحت فيها كبيرا ذو شارب واسمه سي السيد نور الدين ومتزوج من أمينة ويسكن بين القصرين ويشخط وينطر ويتستبد بمراته وبناته وإخواته ومصاب بالشيزوفرينيا.. وبعدين استعذت بالله من الشيطان الرجيم طبعاً!
ولكن ظل بداخلي السؤال: من الذي حقن ابني بـ "جينات سي السيد" الملوثة دي؟
تذكرت صديقتي الأستاذة أميرة بدران عندما كنت أحادثها هاتفياً منذ أيام وكانت تسألني عن أعمار أولادي فقلت لها وبعدين فوجئت بيها بتقولي: يااااه غلطة كبيرة دي يا ناهد.. الولد عندك هوه الكبير؟! أنا أشطر منك الولد عندي هوه الصغير بين أخواته البنات!
يااااااااااااااااااااااه دلوقت فهمت يا أميرة قصدك, بس آه لو بيدي.. ولكن أنا أمامي تحدي أكبر بيدي الآن وهو أن أحصّن الكبير ضد جينات سي السيد وأزرع الثقة والصداقة بينه وبين إخواته البنات وفي أنفسهم أيضاً.. فالرجولة لا تعني الوصاية وعدم الثقة, الرجولة حزمة أخلاق كريمة ومواقف داعمة لها لابد أن تتواجد لدى الذكر والأنثى.. الرجولة خلق يخاصم الوصاية والاستبداد وعدم الثقة, ولطالما حلمت أن يكون لي "أخ" ولد أنا وإخوتي البنات الأربعة يكون صديق وحبيب متفاهم وسند قوي وشهم لطالما حلمت أن يكون لي أخ "رااااااااجل" بمعنى الكلمة وهكذا أرجو أن يكون ابني لإخوته ولهذا سأسعى جاهدة.
ذكرتني تلك الواقعة الأسرية بواقعة مشابهة حكتها لي إحدى صديقاتي الأنتيم مع ابنها الكبير الشاب وبناتها الثلاث إخوته الصغيرات, وإن كانت المبررات لدى صديقتي كانت معروفة ولكنها أيضاً صدمت وانزعجت وتمنت أن لو لم يكن الأمر هكذا نهائياً طبعاً, الأمر عند صديقتي كان مفهوماً, وهو أن ابنها يشبه أبيه إلى حد كبير بل ويقلده أيضاً حتى تشبع تماماً بصفاته إضافةً إلى الاعتبار الجيني!
فقد ظلت صديقتي الإعلامية الموهوبة تعاني في حياتها الزوجية من شكوك زوجها وتسلطه وعدم ثقته التي ترجع إلى أسباب شخصية وبيئية خاصة به, فهو وكما حكت لي نشأ في بيئة منغلقة, لا تعير البنات اهتماماً كبيراً فجميع إخوته البنات لم يكملن تعليمهن وأكثرهن تعليما ًوالتي تركوا لها الحبل على الغارب حصلت بالكاد على الشهادة الابتدائية, هذا فضلا عن أن يكون لإحداهن مجتمع حتى من الصديقات, ليس لإحداهم أي اهتمام شخصي خارج حوض "المواعين" وحكايات الجارات!
هذه هو الوضع الداخلي للمرأة في حياته متواضعة الوعي والتعليم والشكل والشأن وكل شيء, أما الوضع الخارجي فهو على العكس تماماً فهو وبحكم عمله المرموق يحتك بنوعيات فائقة في التعليم والتفكير والانفتاح والمستوي الاقتصادي والشكلي أيضاً.. في بداية حياته العملية كان الأمر صادماً إلى حد ما بالنسبة إليه فكان يتخبط بين التزامه الديني وما تربي عليه من تقاليد منغلقة وبين من يقابل ويتعامل في مجتمعه, هذا الصراع كاد يرديه, وأوقعه بالفعل في كبائر أخلاقية وسلوكية مرات وانقلب إلى النقيض فترة من شبابه ثم عاد مرة أخرى أكثر اتزاناً ووسطية, وهي الفترة التي ارتبط فيها بصديقتي ولكنه ظل يحمل بقايا ماضي مؤلم وإسقاطات ظالمة كانت من نصيب صديقتي وسبباً رئيسًا لجحيمها معه, كانت ولفرط سذاجتها تعتقد أن زواجها منه ولأنهما أبناء مهنة واحدة سيسهل عليها كثيراً في التفاهم بينهما والتفهم بالنسبة لظروف المهنة ولكن ما حدث كان العكس تماماً..
فالشك هو الأساس والغيرة أيضاً من المكملات والتسلط هو الحاكم الغالب ولو من طرف خفي, حتى أنه وفي ليلة باكية اتصلت بي منهارة تطلب أن أعطيها رقم تليفون مستشار نفسي وآخر طبي جنسي حيث يتهمها زوجها –وقد مرّ على زواجهما الآن 15 عاماً!- بأنها لم تكن بكراً عندما تزوجها! وبرغم الأدلة والقرائن لا زال مصراً, تدّخل الطبيب والمستشار النفسي وأخينا مصرّ لأنه لم يرى الدماء أنهاراً ولا حول ولا قوة إلا بالله!
طبعاً كان هذا الأمر هو قمة ما وصلت إليه العلاقة بينهما من رداءة وسوء أيقنت صديقتي أن أبو أولادها "مريض" ليس عليه حرج وعليها أن تكون ممرضة لأجل العشرة والعيشة والولاد وأن تتعامل مع الصدمات والكدمات بدم بارد, ففتح الشباك لتهوية البيت هو من أجل أن يراها الجيران, وبعد أن تعود من عملها لابد أن تقدم تقرير من حادثت ومن قابلت, برغم علاقاتها المحترمة والمحدودة مع الزملاء في عملها "الذي بذل محاولات حثيثة لتوقفها عنه لولا صلابة صديقتي واشتراطها عليه ذلك عند الزواج أن لا يمنعها من ممارسة عملها", وعندما تريد الخروج لشراء مستلزمات بيتية أو خاصة لابد من رسم خارطة طريق دقيقة للأماكن التي ستذهب إليها وهكذا قوائم لا تنتهي من الممنوعات والتشككات, لا يوجد شيء اسمه إذن مفتوح بالخروج إذا اقتضت الحاجة الأسرية لذلك خاصة أنه يتغيب معظم الوقت عن البيت لطبيعة عمله كما يقول لها, وهولا يحكي لها عن شيء طبعاً فهو فوق القوانين كلها التي يسنها لرعاياه.
فلا تتكلمي مع أحد.. هو يتكلم بل ويصاحب ويسمع حكايات خاصة من بعضهن وبألفاظ خادشة للحياء مما سبب بينهم مشكلات كثيرة كادت تنفصل عنه بسببها, لا تضحكي هو يضحك, لا تصافحي.. هو يصافح, متدين لدرجة الوعظ والدعوة والخطابة ولا يجد شيئاً في أن يطالع مواقع أو قنوات فضائية إباحية بحجج متوافرة شتى منها أنه يتعلم مثلا أو مجرد ضعف ثم يعاود الكرًة "يعني تقريباً شخصية ملخبطة في عصر العولمة" المهم أن هذا كله وغيره لم يعد يمثل لها مشكلة بعد نضج وفهم السنين, حتى صدمت مؤخراً بموافقته على ما يفعله ابنها الشاب مع إخوته البنات وتأييده.. وفي الحقيقة أن صديقتي التي اختارت أن تكمل الإبحار في سفينة الحياة التي ابتلتها بها الأقدار حتى النهاية رضيت أن تتحمل زوجها لأسباب خارجة عن إرادتها كما تقول ولكنها لم تطق أن تشرب بناتها من الكأس نفسه أو أن يحمل ولدها أياً من هذه الجينات الملوثة بأمور غير سوية لا يرضاها دين ولا عقل ولا إنسانية..
في الحقيقة أنا أيضاً خائفة أن يكون ابني قد صادق ابنها!
استر يا رب!
يا خير حافظ يا أرحم الراحمين.. ارحمنا وارحم بناتنا وأولادنا وأحفظهم من الجينات الملوثة والعقول الناقصة, والشخصيات الملخبطة, وأصحاب السوء!
واقرأ أيضاً:
ما وراء هالة.. وخبرها! / ماستهم وماستنا.. كل الماس دامي! / ذكرياتي مع الحلوة