(1)
صاح الرجل بابنه:"احترم نفسك. ليس هكذا". قال الشاب: أنا أحترم نفسي، ماذا فعلت؟ قال الرجل "هل هذا كلام تقوله أمام والدتك وأختك؟" قال الشاب: أنا لم أقل شيئا عيبا، أنا عبرت عن رأيي في المغنية التي تغني بأردافها"، صرخ الرجل، "وتقولها ثانية يا قليل الأدب!!"، تراجع الشاب:"آسف يا والدي، ولكنني أقول رأيي"، قال الرجل "ألا تستطيع أن تقول رأيك بألفاظ مهذبة؟ قال الشاب: "قل لي يا أبي: هل حضرتك تستطيع أن تقول رأيك بألفاظ مهذبة أو غير مهذبة؟"، صاح الرجل "ماذا؟؟؟" قال الشاب: "آسف، لكنني أسأل عن رأي حضرتك". أجاب كأنه يتذكر: "أنا لم يعد لي رأي، لم تعد بي حاجة أن يكون لي رأي"، ثم أكمل يكلم نفسه أساسا: "ما فائدة أن يكون لك رأي لا يقدم ولا يؤخر؟" قال الشاب: هل رأيت يا أبي"؟، أفاق الرجل متسائلا "رأيت ماذا؟"، قال الشاب: "رأيت أن حضرتك..".، قاطعه الرجل "..أنا لا أقصد، كنت أريد أن أقول أنه ليس لي موقف" قال الفتى "ألعن". صاح الرجل: ماذا؟!!!، قال الشاب: "أبدا.
حاول الرجل أن يتذكر بداية الحديث بلا فائدة، كان قد نسي حكاية المغنية التي تغني بأردافها.
(2)
غاص الرجل في المقعد، وتذكر مقالا قرأه منذ عشرين عاما لأستاذ جامعي وكيف عجز عن أن يشعر أنه محترم بعد أن شارك في تجربة انتخابات عامة آنذاك، هذا الأستاذ لم تنفعه أبحاثه، ولا مركزه، ولا إنجازاته العلمية أن يشعر بالاحترام، وصوته الانتخابي، إن نجح أن يصل إلى الصناديق، بلا قيمة أصلا، تذكر ما فعله نجيب محفوظ بـ "حضرة المحترم" حمزة السويفي، وأيضا كيف كان يحلم عادل إمام أن يكون محترما في مسلسل "أحلام الفتى الطائر".
كيف تتوارد الذكريات هكذا؟ كيف يتصور أن ابنه يمكن أن يكون محترما بمجرد أن يستعمل ألفاظا لامعة غبية جبانة؟!!!!
(3)
صاح الرجل وكأنه تعرى فجأة: "..تعالَ هنا يا ولد، هل وصلت بك الوقاحة أن تراني غير محترم؟". فوجئ الشاب، ولم يفتح فمه. أكمل الرجل: ".. أنتم جيل فاسد عابث". ثم صمت. قال الشاب بهدوء ".. أنا آسف يا أبي، أنا لم آتِ بسيرة حضرتك، حضرتك الذي قلت...." .." قاطعه الرجل: "هل أنا قلت أنني لست محترما؟؟؟، أنا كل ما قلته هو أنه لا داعي أن يكون لي موقف أصلا. تظاهر الشاب أنه لم يسمع.
دخلت الأم وقد وضعت يدها في خصرها ووجهت كلامها لزوجها: ".. تقول لا داعي أنْ "ماذا" يا سيد الرجال!!!؟؟. نظر إليها الرجل وكأنه ضُـبط متلبسا، انتبه الشاب، وخاف توالي الأحداث، فانسحب بهدوء احتراما لوالديه، مدمدما: ربنا يستر.
(4)
صاح الرجل بابنه: "هل استخرجتَ بطاقتك الانتخابية؟" قال الولد: "ماذا يا أبي؟ قال الرجل "بطاقتك الانتخابية!! قال الشاب: "تقصد الشخصية"، قال الرجل: "بل الانتخابية"، قال الشاب: "وهل توجد انتخابات الآن؟ قال الرجل: يوجد ما هو أهم، الاستفتاء على تعديل الدستور. قال الشاب: وهل يوجد دستور يا أبي حتى نعدله؟ قال الرجل: ولو، حتى لو كانت المسألة "تحصيل حاصل"، أو "تثبيت واصل"، أو إجهاض "بغلٍ حاملْْ". فزع الشاب خوفا على عقل أبيه، سأله: إجهاض ماذا يا أبي؟ أعاد الرجل دون أن يمعن فيما ألجأه إليه رنين الألفاظ وسجع النهايات: إجهاض "بغلٍ حاملْْ"، أعني، لا أقصد.."، قال الشاب: ماذا جرى لك يا أبي؟ ثم إن البغل لا يحمل يا أبي، لقد أخذنا هذا في الابتدائي، قال الرجل: إن ما أخذتموه لا يُـلزم الحكومة بشيء، الحكومة تستطيع أن "تحبّل" أي بغل بمجرد أن تدرج بندا في الدستور يقر ذلك التعديل، قال الشاب: أنا آسف يا أبي، أنا خائف على "عقْـ.."..،أعني عليك، لا أقصد...، أعني: هل حضرتك عندك بطاقة انتخابية؟ قال الرجل دون تردد: "لا"، قال الشاب "فلماذا أستخرجها أنا"؟ قال الرجل: احتياطيا، لعل فرصتكم لتكونوا محترمين أفضل منا، قال الشاب: قل لي يا أبي هل حضرتك تنازلت عن فرصتك لنا؟ قال الرجل، أنا لم أتنازل عن شيء بخاطري، قال الشاب: ومن الذي أرغمك؟ قال الرجل: الذي أرغمني هو أنني.. ، أننا... رضينا بالتنازل، وحين قررنا أن نتوقف كان الوقت قد فات.
قال الشاب: الوقت لا يفوت أبدا يا أبي، الوقت يتجدد. تساءل الأب: صحيح؟. قال الشاب بهدوء: "نعم". قام الرجل وقبّل ابنه في جبهته. لم يكن قد فعلها منذ عشر سنوات.
نشرت في جريدة الدستور :
13/3/2007
اقرأ أيضا:
تعتعة سياسية: النادي الأهلي.. وهل هم يكذبون؟؟! / تعتعة سياسية: أسئلة ممنوعة، وإجابات مرفوعة!!!! / تعتعة سياسية: الراقصة.. والمسخ
التعليق: أرى من هذا المقال أن حضرتك تحاول أن توصل أن الحكومة أجبرتنا علي أن نفقد احترامنا لأنفسنا
وأنا لا أتفق معك فإذا كنا فقدنا احترامنا لأنفسنا فذلك بمحض إرادتنا فنحن من أضاع المبادئ والأخلاق والقيم أننا أهنا أنفسنا بأنفسنا إذ أننا نضيع مبادئنا وأخلاقنا لما وصلنا نحن إليه من كرامة مبعثرة مثل أتربة الشوارع التي يدوس عليها كل من ينتعل حذاء ومن لا ينتعل
فنحن لم نحاول أن نقول للخطأ أنت خطأ لن أفعلك لم نقل لمن يرشي لن أكون مرتشيا بالعكس نتمادى في أخطائنا ونقول الحكومه هي السبب لم توفر لي الدخل المناسب كي أعيش الحياة التي أريدها أنا وأبنائي لم نحاول تحدي ظروفنا وخوفنا
إن أفراد مجتمعنا يحتاجون إلي إعادة هيكلة نفسية.