سهام ذهني.. أديبة وصحافية مصرية مشهورة، كنت أقرأ كتاباتها وأعجب بها.. أسمع عنها ولم ألتق بها، حتى علمت أنها أصبحت رئيسة تحرير لجريدة مصرية نسائية أسبوعية كنت أتابعها أيضاً عن كثب اسمها "الحلوة" وأنها تنوي إحداث تغييرات نوعية في سياسة تحرير الجريدة وتفتح الباب لمن يريد التعاون من الصحافيين.. وعلى الفور حملت أوراقي التي تحوي سيرتي الذاتية ونماذج من أعمالي الصحفية واقتراحات بأفكار صحفية للتنفيذ بالجريدة وطيران على مقر الحلوة في العجوزة!
في الحقيقة رحبت بي الأستاذة سهام وقابلتني بلطف وذوق عال يليق بأخلاقها وتاريخها المهني.. كنت أتخيل أنني سأجلس انتظر وأخذ موعد من السكرتارية وانتظر وانتظر وبعدين فوت علينا بكره وهكذا وممكن أن لا أقابلها أبداً وتنتهي التجربة، ولكن الحقيقة أنني ظللت أتعامل مع رئيسة تحرير لمدة ستة أشهر هي كل المدة التي قضتها رئيسة للتحرير كما لم أتعامل مع رؤساء تحرير ومسئولي تحرير صحف ومجلات على امتداد رحلتي في البحث عن المتاعب –أي الصحافة- منذ عام 96 وحتى اليوم.. فالأفكار الصحفية تطرح بسلاسة وتسليم الشغل ببساطة، ومقابلتها باسمة مريحة مرحبة على الدوام، تقابل الجميع وتشجع المبتدئين، وتبدي إعجابها بالمتميزين.
وهكذا كان عدد الحلوة من كل أسبوع هو بمثابة عيد بالنسبة لي، مقالات وتحقيقات وتغطيات لفعاليات ومؤتمرات وحوارات صحفية، لا توجد حدود لمساحة النشر الممنوحة لموضوعي ما دام متميزاً، ولا رقيب على قلمي وأفكاري كما يحدث في الكثير من الأحيان وفي معظم المؤسسات الصحفية فهناك قسم في كل مؤسسة يقوم بدور مباحث أمن الصحافة يقوم بالواجب وزيادة في تعديل أفكارك أو رفضها من أصله، وقصف قلمك.. حتى ينتهي بك المقام كصحفي إلى قصف عمرك!
استطاعت سهام ذهني أن تقدم من خلال "الحلوة".. "رسالة" وسط هذا الكم الرهيب من الغثاء الصحفي، خاصة صحافة المرأة.. وأن تحدث مواءمات مطلوبة ولا مفر منها بين العرض والطلب في سوق الصحافة، ولكن لأن الجريدة كانت خاصة بتمويل أحد رجال الأعمال فلم يكن الأمر يعني له شيء سوى الـ "بيزنس".. مستثمر يضع سقفاً لطموحاته المادية ولديه قرار بهدم المعبد وعليَّ وعلى أعدائي إذا لم يتحقق المراد، وهذا هو مأزق الإعلام دائماً بين "الرسالة" و"البيزنس" خاصة الإعلام الخاص.. حتى استيقظنا ذات يوم على قرار من الممول بالتوقف عن التمويل وهو ما معناه بالطبع توقف الـ "حلوة"!
وطبعاً فرحة ما تمت، وجت الحزينة تفرح ملقتلهاش مطرح.. ورغم إني لست حزينة ولكن هذا المثل انطبق عليّّ تماماً وعلى كل الصحفيات اللاتي مثلت لهن "الحلوة" فرحة ذات مذاق خاص و"مطرح" جميل كنا نطل من نافذته على المجتمع والناس.
القرار البزنساوي العجيب والغريب بدا للجميع غير مبرر فبائع الجرائد سألني "معقولة يا أستاذة دي كانت سوقها ماشي والزباين بتسأل عليها"، وجارتي لم تصدق وزعلت جداً، أمينة المكتبة بنقابة الصحافيين المصرية غير مصدقة للخبر، زميلات أختي في العمل انزعجن لغياب الجريدة التي أصبحت على حد وصفهم كانت "حلوة" بجد.
غابت الحلوة، وغابت بغيابها صحبة حلوة وأسماء مجتهدة كانت تجمعها سهام ذهني في أوراق أنيقة متتابعة لتقدم للقارئ والقارئة باقة إعلامية رسالية تخطو بهم خطوات إلى الأمام في تشكيل وعي، وفكر عال ومحترم. غابت النافذة ولكن أقلامها التي لونت أبوابها لن تغيب وستظل تجتهد وتكافح وسط أمواج البزنس حتى تنتصر الرسالة.
تحية لـ "سهام ذهني" التي تعرضت للكثير من حملات التشويه والمزايدة لمجرد أنها محترمة، خلوقة، وترتدي الحجاب، كانت صورتها بجوار مقالها تستفزهم، فكتب أحدهم "الحلوة تعقد صفقة مع الإخوان!".. وكنّا نقرأ هذه التلفيقات ونبتسم وربما نضحك.. وسنظل نضحك لأنها كانت –ويعز علينا أن نقول كانت- وستظل علامة فارقة في تاريخ مطبوعة حققت نجاحاً على يد سهام برغم التحديات.. ولا زال الناس يذكرونها ويبحثون عنها.
تحية لـ "سهام" ولكل إعلامي رسالي لا زال يجاهد برغم أمواج البزنس العالية.
واقرأ أيضاً:
ماستهم وماستنا.. كل الماس دامي! / ارفعوا أيديكم عن ابنتي! / أمي.. حضني!