ماذا جرى؟ كيف جرى؟
قد كنتَ فينا رائحاً أو غادياً تخطو بنا نحو الذي قد صاغَنَا، وجعلتَ إيقاع الحياة له صليلٌ مثل نبض الكون سعيا للجليل، حتى حسبنا أنها لا تنتهي، وظللتَ تخطرُ هامساً كالطيفِ، كالروحِ الشفيفِ، كظلِّ رب الكون فيما بيننا، وجعلت تنحت جاهدا لتعيد تشكيل البشرْ: حُـلماً فحلماً: واقعاً منّا، لنَاَ، نسعى إلى عمق الوجود ليلتقي فينا بنا، "لتَعارَفُوا".
هذا "طريق الزعبلاوي"، نحو وجه الحق، نحو النور، نحو العدل، نحو الله فينا حولنا. ومضيتَ تقهرُ كلَّ عجزٍ، كلَّ ضعف، كلَّ هَم، حتى دعْونا ربنا أن تقهر الساعات تسحَـبُنا إلى المجهولِ إذْ تخفي العدمْ, حتى نسينا أننا بشرٌ لنا أعمارُنا.
لم قلتََها شيخي: "كفى"؟
الآن؟ كيف الآن؟ شيخي!؟ ربنا!؟ بالله ليس الآن، ارجع عقارب ساعتكْ، لا، نحن لسنا قدْرها, ليستْ "كفى" لا، ليس هذا وقتُـها، أفلستَ تعلم أننا في "عِـز" حاجتنا إليك؟
أفلستَ تعرف ما جرى؟
أفلستَ تعرف كيف تنهشنا السباعُ الجائعة؟
أفلستَ تعرفُ أن ما يأتي بدونك لهْوَ أقسى ألف مرة؟
لو كنتَ أقسمتَ عليِه، من أجل خاِطِرنا، لأبرّك الله العزيز بقدر ما وعد الذين هـُمُـوا كمثلك.
لمَ قلتََها شيخي: "كفىً؟
كنا نريدك دائما تخطو جميلا بينناَ، كنا نريدك خالدا في قرة العين هنا، كنا نريدك مثل أطفالٍ أبوْا أن يُفطموا من حلو ما نهلوا عطاءك، مثلنا، كنا نريدك نحتمي في دفء بُرْدِكَ من برودةِ عصرنا.
لكنَّ خاتمة الكتاب تقررت، فسمعتّهَا، وكتمتََهَا حرصا علينا، وانسحبتَ برقةٍ وعذوبةٍ، وتركتَنَـا. لمّ هكذا؟
علـّمتنا شيخي بأنا قد خُـلقنا للحلاوةِ والمرارةِ نحملُ الوعي الثقيل نكونُـه سعيا إليه. فاجـَـأْتَنَا، ورحلتَ دون سَؤاِلنَا، وبكى الخميسُ لقاءَنا، وتركتَ بيتي خاويا في كل جُمعةْ.
ماذا جرى؟ كيف جرى؟
هل يا تُرى: قد كان همسا من وراء ظهورنا يدعوك سرًّا: ورجوتَ أن تلقاه شيخي بعد ما طال العناءْ؟
فاستأذن الجسدُ العليل بشجّةٍ في الرأس كانت عابرة؟
لا لم تكن أبدا مصادفةً، ولم يشأِ القدرْ، كانت نذيراً بالوداعْ، قطعتْ حباَلَ وِصَـالنا، فتهتك العهدُ القديمُ وحرَّرَ الجسدَ العنيدْ، والشيخ درويشُ "الزقاقِ" يقولها: "لا شيء دون نهايةٍ" وهِجاؤها: "قد حان وقتٌ للرحيل".
عَّلمتنا شيخي الجليل:
أن الخلودَ بهذه الدنيا عدمْ، والموتُ لا يُنهى الحياةََ لكلِِّ من أعطاها مثلَك نفسَهُ، الموتُ ينقلها إلى صُـنّاعها من بعض فيضك، قد كنتَ رائدَ حملها يا للأمانة!! يا ثقلها!!!
هل جاء من أنباكَ أنّا أهلُها؟
حتى الجبال أبيْنَ أن يحِمْلنَها. كيف السبيل, وكل هذا حولها ؟
لكنَّ ما قدّمتَ علَّمنا "الطريق" إليه عبر شعابها: لمّا عرفتَ سبيل دربك نحوه، كدحاً إليه: ودخلتَ في عمق العباد تعيد تشكيل الذي غمرتْه أمواجُ الضلالْ، حتى تشوّه بالعمى والجوع والجشع الجبانْ؛
شيخي الجليل:
ما دمت أنتَ فَعَلتْهاَ، فانعم بها، واشفعْ لنا أن نُحمل العهدَ الذي أوْدَعْتنَاَ
شيخي الجليل:
نمْ مطمئنا، وإرجع إليه مُبْدعاً، عبر البشر، وأدخل إليها راضيا، أهلا ً لهاَ.
اقرأ أيضا:
تعتعة سياسية: ثقافة السلام وثقافة الحياة!!! / تعتعة سياسية: الحرب والجدية والاستسهال / تعتعة سياسية:... لا شيء دون ثمن!!!