أدع القلق؟ لمن؟
كلما سمعت تعبير "دع القلق وابدأ الحياة"، استشطت غيظا. "بأمارة إيه".
أدع القلق، أدعه لمن؟ أستورد ناسا من الصين يقلقون بدلا مني؟ إذا كان بالحياة ما يُقلق، كيف لا أقلق؟ كيف لا أقلق على ما يجري حولي، كيف لا أقلق على ما ينتظرني؟ والألعن تلك الدعوة أنه "لا تخف" !! يا صلاة النبي!!، كل ما يجري هكذا في العراق، وفي سجن أبو غريب أو معتقل جوانتاناموا أو الأزهر أو ميدان عبد المنعم رياض، أو أقسام بوليسنا، ناهيك عما لا نعرف مما هو أبشع وأخطر، كل ذلك وتقول لي "لا تخف"؟ ثم ينبهني الأطباء النفسيون أنني مواطن "نكدي"، لأنهم اكتشفوا بأبحاثهم إياها أن 20% من المصريين مصابون بالاكتئاب (إخص عليهم!!!).
هذه ليست دعوة للقلق أو دفاعا عن الغم، ولكنها دعوة لتحويلهما إلى غضب، إلى فعل مسئول، ثم إنها ليست دفاعا عن الخوف الذي يقعدك مطرحك مرعوبا من السلطة ومن المجهول، لكنها تنبيه إلى أنه ما دام هناك ما يخيف، فلنتحمل مسئوليته بجسارة أكبر منه، فنقتحمه ونحن خائفون شجعانا.
البله الذي أدعوك أن تدعه هو البلاهة السياسية، والبلاهة الاستهلاكية، والبلاهة المكلمية (الكلام على العمال على البطال)، أما "النظر" الذي ستواجه به إذا أنت رفضت البلاهة، فهو دعوة إلى النظر في إعادة النظر في كل شيء، بما في ذلك ما يصلك من الأطباء النفسيين أمثالي في الإذاعة والتليفزيون وهذه الصفحة بما فيها كلامي هذا.
مسألة الصحة النفسية البلهاء في مجتمع الرفاهية، والدواء المطمئن جدا في مجتمع الغم الأزلي، هي مسائل تحتاج منك ومنا إلى النظر وإعادة النظر، هي دعوة ليست للسخط أو التبرير، لكن لليقظة والألم الخلاّق.
آسف، ولكن: ألم يئن الأوان أن نقول لكل أنواع البلاهة المستوردة والمصنعة محليا "كفاية".
اقرأ أيضا:
تعتعة سياسية:... لا شيء دون ثمن!!! / تعتعة سياسية: الحزن والعدل والحلم والحكومة / تعتعة نفسية: الطبيب النفسي والفتوى الإعلامية