حسب قراءاتي، لا توجد أية دراسة تثبت القابلية الوراثية أو العائلية للتفاؤل. في المقابل، الدراسات التي جرت على الاضطراب ثنائي القطب (ساعة تروح و ساعة تيجي)، والتي بدأت منذ أكثر من عشرين عاماً، تبين أن هناك عاملاً وراثيا بالنسبة لهذا النوع من اضطراب المزاج والذي يتميز بتبادل نوبات اكتئاب خطيرة ونوبات نشوة واغتباط مهووسة يكون كل شيء فيها ممكنا.
هذه المرحلة من النشوة ترتبط بنوع من التفاؤل المرضى بلا حدود. كأن تشتري سيارة غالية في الوقت الذي لا تملك فيه منزلا، بالنسبة لك، كل شيء كان ممكناً. فتجد نفسك مسئولا عن الأقساط ومديونا للبنوك... مثل هذا التفاؤل المرضى اللاواقعي يمكن أن يؤدى إلى كوارث.
لم تزل الأشياء التي نعرفها عن هذا الموضوع قليلة، لأن هذا العلم لا يهتم بالأشخاص السعداء.. لكن بفضل دراسة عمل الخلايا والأنسجة العصبية، هذا العلم الذي يقوم على البحث عن العلاقات المتبادلة بين السلوكيات التي يُمكن ملاحظتها من الخارج والإفرازات البيولوجية في أعضاء الجسم، يمكن أن نحصل في المستقبل علي إجابات.
فهناك أنواع من الهرمونات التي لا يفرزها المخ بشكل كاف عند المتشائمين، كالسيروتونين عند المكتئبين مثلا. ومن هنا يمكن أن نتصور بطريقة غير مباشرة وبدون تأكيد، أن هناك وسائط عصبية يفرزها المتفائل. إن مجال الدوبامين الذي يعمل كمنشط نفسي مثير للغبطة والنشوة تتم دراسته حالياً. ولكن أغلب الأبحاث نعمل في مجال البحث عن المتعة وليس التفاؤل بشكل مباشر. ولكن هل أثبت العلم فروقا بين مخ المتشائمين ومخ المتفائلين؟ نحن لا نعلم، لكن ما نعرفه بفضل تصوير المخ، أن الموضع عند المتشائم يوجد في قشرة الدماغ –مخ التفكير- وكذلك في الجهاز الخاص بالمخ الانفعالي، والذي نشترك فيه مع الحيوانات.
وبذلك يكون كل منا لديه بالتأكيد جزء وراثي فيما يتعلق بكونه متفائلا أو متشائما، ولكننا نضيف عليه بالتدريب معطيات من البيئة المحيطة بنا -ثقافية واجتماعية وتعليمية- والتي ستمكننا من تطوير نوع من التفاؤل أو بالعكس التشاؤم. وبوضوح، حسب المواقف التي نتبناها، يمكننا تعديل وظيفة مخنا. التفاؤل إذن يكتسب بالخبرة، ولكن هل يدوم؟مثل أي تدريب على كفاءات جديدة فهذه القدرة الجديدة على رؤية الأشياء والتصرف تكتسب مع ضرورة الانتباه إلي تنميتها يوما بعد يوم.قد يراني البعض منشغلة بموضوعات ترفية لكن من وجهة نظري لا بديل عن تعلم التفاؤل في هذا الزمن الذي يحتاج إلي تطويل النفس مع مراعاة ألا ينقطع...
اقرأ أيضاً:
يوم الخذلان الكبير/ الديمقراطية والصحافة