في مسيرة الفكر والشعور والتفاعل مع الحياة والتاريخ ظهرت لي بعض العثرات في طريق التفاعل مع الحياة وما فيها من علم وفكر وشعور وفي طريق تنفيذ الفوائد من العلم على أرض الواقع وهذه العثرات متشعبة في مناحي الحياة الفكرية والعملية والاجتماعية والنفسية والدينية ومن ضمن هذه الأشياء هو ما أسميه تساقط أقنعه التميز لشخصيات ظننا بها أنها متميزة وفريدة وأنها كوادر مختلفة وتربينا على حبهم وقراءة كتبهم ولكن ظهر لنا ضعفهم أو جهلهم أو ظهر لنا من هو أولى منهم بالقراءة والاهتمام وذلك بعد كثرة القراءة والاطلاع.
وعند وزن أعمال وأقوال هؤلاء بميزان التاريخ والعلم والواقع فظهر لنا تساقط لأقنعة تميزهم أمام العلم وتساقط لأقنعة تميزهم أمام التاريخ، وتساقط لأقنعة تميزهم أمام الواقع والأخيرة هذه (تساقط أقنعه التميز أمام الواقع) لا تقتصر على أصحاب المناصب أو شخصيات التاريخ أو أصحاب العلم ولكن أنا وأنت وكلنا مهددون بهذا التساقط وسوف أتكلم عن كل نوع من التساقط بمعزل عن النوع الأخر لأن الأمر جد خطير ونبدأ بإذن الله بتساقط أقنعه التميز أمام العلم والبقية في مرة قادمة بإذن الله.
ظهر الخلط بين العالم وشبيه العالم وبين المجتهد والجاهل وبين العلماء الراسخين في العلم وبين المبتدئين فيه. فظهر لنا بعد الشيوخ الكبيرة والمشهورة إعلاميا التي تقول بأقوال في مسألة شرعية لم يقل بها أي عالم من قبل من المتقدمين أو المتأخرين وعندما يزن كلامه أهل الاختصاص والراسخون في العلم بالأدلة الأصوب والأوضح منها وبتحقيق علمي لقوله يجدون أنه لم يصب في شيء مما قال قط!
وظهر لنا أدباء ومفكرون ينشرون أرائهم في المجتمع وهذه الآراء إما أنها تنافي الدين وفي أمور هي من أعمق أعماق الدين أو أنهم يدعون إلى سلوكيات تضر بحياتنا الاجتماعية أو النفسية فمن تكلم في غير علمه وتخصصه أتى بالعجب العجاب.
والناس بين مؤيد ومعارض فبعضهم يغالون في التزكية على أحدهم بدون تحقق ولهم رأيهم، وبعضهم يغالون في نقد نفس الشخص ولهم رأيهم وأدلتهم. فالباحث والمتعلم والقارئ في حيرة بأيهما يأخذ خاصة "العامة الذين لا يستطيعون الترجيح بين الأقوال أو اختيار السلوكيات الأكثر نفعا" على الصعيد النفسي والاجتماعي وليس معنى كلامي أن يكون الشخص بلا أخطاء ومعصوما من الخطأ، ولكن هناك فرقا بين خطأ عالم وخطأ جاهل وخطأ مجتهد وخطأ مبتدع فقد أخطأ شيوخ كبار في الإسلام أخطاء ربما كبيرة ولكنهم من أصحاب الاجتهاد والعلم ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد أورد ابن كثير أحاديث ضعيفة بل وموضوعة في بعض كتبه.
وقد انتقد المحدث الناقد الدارقطني صنع البخاري في بعض الأحاديث في صحيحه ورد على الدارقطني العلماء دفاعا عن البخاري بشكل علمي محايد ولم ينقص هذا من قدر الدارقطني فهو عالم مجتهد يستفيد من كتبه أهل الحديث وقال رسول الله: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر. صحيح البخاري
وضرر هذا علينا:
1- نضيع الوقت في كتب هؤلاء دون النظر في أقوال الآخرين من أهل التخصص والرسوخ في العلم.
2- ربما قال أديب أو مفكر من من تنتشر كتبهم بسلوكيات تفسد علينا حياتنا الاجتماعية والنفسية ظنا منهم أنهم يشاركون في حل المشكلة مع أنهم لم يدرسوا علم النفس أو الطب النفسي بل يجب عليهم عند التحدث في الموضوع أن ينقلوا قول العلماء والمتخصصين فيه.
3- في مثل هذا الخلط سوف يفقد علم محكم للعلماء بدعوى أن هذا الشيخ أو هذا الكاتب أو هذا المؤرخ أخطأ في ناحية، أليس هو ببشر؟ ولكن باقي علمه مفيد ومبهر فنأخذ الرأي الأصوب في هذه المسألة من عالم أخر.
وكفانا قتلى من علمائنا وقدواتنا الذين قتلوا في حرب إسقاط الرموز التي قادها الحاقدون، والجاهلون لإسقاط رموز الدين والفكر والسياسة والأدب في تاريخنا وفي حياتنا المعاصرة بدعوى النقد والتصحيح، فأصبح علم رموزنا مقبورا في المكتبات وسيرهم الذاتية لا يعرفها إلا المتبحرون في العلم، وشخصيات يتخذها المجتمع رموزا وهى ليست إلا أشباحا لشخصيات مؤثرة، وهذا الموضوع قديم لكنه يجدد ثوبه في كل عصر باختلاف الشخصيات ولنا في الأئمة القدماء أمثال الحافظ ابن حجر وشيخ الإسلام ابن تيمية والفقيه الإمام أحمد أسوة حسنة، فقد كان هناك خلاف على توثيق بعض رواة الأحاديث وتضاربت الأقوال فيهم بين مجرح وموثق لنفس الشخص، وبين ما هو متأرجح بين هذا وذاك وهذا في كتاب تهذيب الكمال للمزي فنهض الحافظ ابن حجر واستخلص من الكتاب القول الفيصل والوسط في الراوي من كل هذه الآراء المختلفة على الشخص الواحد وألف كتابا سماه تهذيب التهذيب.
وشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام أحمد ابن حنبل ألفوا كتبا في الرد على الفرق الضالة مثل الصوفية والزنادقة والأشاعرة أو الفرق المبتدعة بشكل علمي ثم قام علماء بتحقيق كتب العلماء الكبار وشرحها لمنع الفهم أو التأويل الخاطئ لها.
هل نحتاج لمثل ما فعله ابن حجر في التهذيب وإلى ما فعله العلماء الكبار من رد أو تحقيق في كل مجالات الحياة في الدين وفى التاريخ وفى الأدب وفى الصحة وهذا هو منهج التعامل مع العلم والعلماء؟
ولا أدعى أنني من أصحاب العلم أو القدرة على موازنة الرجال بل هذا منهج العلماء السابقين أولا بالنسبة للكتاب أو الشيوخ الذين كثر الكلام فيهم:
1- الرجوع عن آرائهم إذا تبين الخطأ فيها وتوضيح ذلك فقد تراجع الأئمة الأربعة عن بعض أقوالهم بعد مراجعتهم للصواب.
2- زيادة علمهم وعدم الاقتصار على كتب أو شيوخ بعينها (العلم الشرعي) أو كاتب أو مؤرخ واحد بل يبحث في الموضوع من وجهات نظر متعددة ففي كتب العلماء الكبار يعرض المؤلف الآراء كلها في الموضوع الواحد سواء التي تتفق مع المؤلف أو التي تتعارض معه ويرجح ما يراه صحيح ويذكر حجته في ذلك الترجيح.
3- اتباع طريقة المنهج العلمي في الاجتهاد في العلم الشرعي واتباع المنهج العلمي في البحث بالنسبة للعلوم المادية
ثانيا بالنسبة للفرد المتلقي من ذوي العلم أو أصحاب البحوث والمعرفة سواء المتبع لهم أو الناقد لهم:
1- مقارنة علمهم بالعلماء الثقة الراسخين في العلم وذلك في كل المجالات.
2- البحث في الموضوع من وجهات نظر مختلفة وقراءة الكتب المحققة.
3- تطبيق قواعد الجرح والتعديل وهى أحد فروع علم الحديث وذلك في كل المجالات لأنه علم يهتم بتقييم الرجال وتقييم أعمالهم.
4- ترك من قلّ خطأه وتوجيه الجهود لمن كثر خطأه عن عمد وقصد.
5- التفريق بين المبتدع والمجتهد وضعيف العلم.
6- نأخذ من علمهم ما ينفع ونترك الفاسد وكذلك فعل العلماء الكبار مع الحاكم في تصحيحه وتضعيفه للأحاديث وغيرة من المحدثين والفقهاء.
7- عدم المغالاة في التزكية على أحد أو المغالاة في النقد بدون علم وتحقق.
8- أن يرفع شعار رسول الله صلى الله عليه وسلم في التعامل مع خطأ الغير كما في الحديث: انصر أخاك ظالما أو مظلوما. فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال : تحجزه، أو تمنعه، من الظلم فإن ذلك نصره.
9- محاولة الجمع بين الآراء بدلا من هدم رأي منهم إذا أمكن الجمع بينهما.
ورغم هذا الخلط إلا أن الحق موجود وله رجاله وما يزيد الباطل الحق إلا ظهورا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس. صحيح مسلم.
فأغيثونا أغيثونا يا ذوي الاختصاص والخبرة ويكفي ضحايانا من قدواتنا التي هلكت في حرب إسقاط الرموز.
واقرأ أيضاً:
هاري بوتر خيال والرسول حقيقة / عمرو عماد مع مجانين ينعي صدام حسين