أدهشني قول الأخصائية الاجتماعية أنه لا حل ولا أمل في إصلاح الأسرة إلا بعودة ثقافة الأنثى، أو بالأحرى عصر الحريم، وثقافة الجواري!! إنها ثقافة فتاة الجيشا، ثقافة الاسترخاء والإمتاع الجسدي والعقلي، والعاطفي، وهذا يحتاج إلى مصارحة ومراجعة.
هي تعلم أنني مستمع جيد، ولن أبادر بالرد إلا حين تبسط فكرتها كاملة، ولذلك بدأت في الشرح والتفسير.
قالت: هل يمكن عمل كوب من الشاي فقط إذا كان لدينا عبوة شاي، وأخرى مثلها تماما!!.
ما معنى أو جدوى أو انتصار أن تصبح المرأة رجلا آخر؟! ما الفائدة التي تنعكس على نساء مصر من إسناد وظيفة القضاء لبعضهن؟!.
مبروك الوظيفة الجديدة وامتيازاتها لهن، ولكن ما هو العائد على ملايين النساء؟! وما هو الانتصار الذي حققته عموم النساء؟! المرأة صارت تحتقر أنوثتها، وتغضب إذا نصحتها بأن تطور أداءها كأنثى في إثارة رغبات زوجها، وإشباع احتياجاته العاطفية والجنسية!! مباشرة تنتفض كل امرأة لتدفع عنها تهمة أنها جارية، مع أن الجواري هن اللائي حكمن الدول والقصور بينما الملكات المتكبرات كانت لهن الصورة والصولجان وشكل العرش!!.
ما قيمة المرأة دون أنوثتها، ومن يشبع الرجل الزوج، ويحتوي احتياجاته وطموحاته وتطلعاته؟!
وكيف يمكن أن تفعل المرأة ذلك دون توعية، ودون تدريب، ودون أن تحترم أنوثتها ابتداء، ولا تحتقرها!!.
قالت: أنا أنصح بناتي في المدرسة بالتوازن بين التكوين الإنساني للعقول واكتساب المعارف العلمية، وبين احترام أنوثتها، وتدريب الملكات والمهارات المتعلقة بها.
وقالت: أنا أرى البرامج والقوانين والثقافة المنتشرة حاليا تدفع باتجاه تخريب عقول النساء بإدخالهن حلبة الصراع مع الرجال، وإشاعة نوع من الكراهية والعداء بينهما تحت شعارات براقة مثل الحرية والمساواة وتمكين المرأة، والنتيجة الطبيعية هي التخبط الذي نعيشه، وانهيار الأسرة، وفقدان المرأة لجانب هام من هويتها وشخصيتها، فماذا يبقى من المرأة إذا ألغت أو احتقرت أنوثتها تحت مقولات مثل أن المجتمع ذكوري، وغير ذلك مما هو متداول على الألسنة اليوم!!.
قلت لها: مما لاشك فيه أن التكامل في بناء شخصية الإنسان مطلوب بإلحاح، وأن الانتصار على تنمية جانب، وتنحية بقية الجوانب لا يمكن أن يأتي بخير، وأنا رصدت منذ زمن أن خللا فادحا يحصل في تربيتنا لأنفسنا وأولادنا رجالا ونساء، والحصاد نفوس وعلاقات مختلفة ومشوهة، وخلق لا هم بشر ولا يحزنون، ومعيشة ضنك! بسبب الجهل وسوء التدبير!
وخطط الآخرين وبرامجهم تنفذ في تراجع الحكومات، وغياب فلسفة أو منظومة قيم متماسكة، وشيوع مظالم متنوعة وثقيلة جدا في مجال النظرة إلى المرأة، والتعامل معها! المظالم الفادحة للقطاع العريض من النساء شيء بشع ووصفة العلاج المستوردة هي المتاحة والنافذة.
ولاحظت مثلا أنه تكاد تكون تهمته جاهزة لكل امرأة أنها عاهرة "في الأصل"، ولا أذكر من قال:"كل النساء عاهرات، مع الاعتذار لأمي"، وفي ظل ثقافة المرأة/العاهرة يتم اتخاذ تدابير كثيرة، وفرض قيود، وابتداع أصول وعادات وتقاليد لمنع هذه "العاهرة" من الوقوع بالخطأ، أو ردعها عنه، أو تحجيم حركتها بقدر الإمكان!!
وكثيرات يبالغن في الاستماتة مدافعات عن أنفسهن، ودافعات لتلك التهمة بشكل يصل إلى العصاب أو الوسواس المرضي، ويفاقم العنف ضد المرأة ممن حولها من النساء اللائي يبالغن في العنف تجاهها حتى لا تسقط فوق رؤوسهن التهمة الجاهزة!!
أخشى أن كلامك يصطدم بهذه العقدة المزمنة العميقة، وأخشى ألا بفهمه كثيرون في إطار توازن التكوين بين أضلاعه المختلفة، وأخشى أن كثيرات يمكن أن يحاربن آراءك في العلن، حتى لو استفدن بنصائحك في السر!! وأخشى أن القطعان اليوم تسير في اتجاه مختلف!! وأخشى أيضا أن ضغط التحريض والحرمان لدى الرجال والنساء صار يقود الجنسين إلى الخروج عن نطاق الأسرة لإشباع الاحتياجات، وكأن الأسرة ما زالت محكومة بمنظومة مضطربة من المحددات الفكرية والقانونية والثقافية، بينما حركة الناس خارج دائرتها تبدو متحررة، أو منفلتة، وبلا حدود!! والبلاء لا يقتصر بالطبع على النساء، بل الرجال غارقون أكثر في بعض الورطات والمتاهات!.
جمود أوضاع وأفكار وصيغ العلاقة بين الزوجين يؤدي إلى هجرة العقول والنفوس والرغبات والطموحات إلى خارجها، ومثلما يحدث في الدين على أيدي ناقصي الفقه الذين لا يحسنون إلا التشديد على الناس، يحصل في الأسرة، والمنظومة كلها في حاجة إلى مراجعة وتعديل جذري، أو سيحصل المزيد من التآكل، والنفاق الاجتماعي، والنزيف الأخلاقي!!.
قالت: أليست العودة إلى تعاليم القرآن ممكنة، وهي العلاج لكل هذا؟!.
قلت: نعود إذن للقرآن، وليس لعصر الحريم، وهذا حديث يطول.
30/4/2007
واقرأ أيضًا:
على باب الله: وجهاً لوجه مشاركة/ على باب الله: أخانا الذي في الشمال