(1)
قالت البنت لأخيها: ماذا أفعل في صديقك هذا الذي يصر أنه يحبني؟ قال أخوها: لكنه يحبك فعلا، لقد صارحني شخصيا، قالت: وكيف تصدقه وهو لا يحب نفسه؟ قال: من أدراكِ أنه لا يحب نفسه؟ قالت: هو لا يحب الناس، ولا يحب البلد، فمن أين له أن يحب نفسه، فيحبني؟ قال: لست فاهما، هل لا بد أن يكون الواحد منا أنانيا أو سياسيا حتى يُسمح له بالحب؟ قالت: أنت لا تفهمني، الأنانية شيء، وأن تحب نفسك وناسك وبلدك شيء آخر، لا بد أن تعي أنك "أنت"، وأن ترى مَنْ وما حولك، وأنك لست أنت إلا بهم، كل هذا قبل أن تتصور أنك تحب. قال أخوها: فلسفة هذه أم فذلكة؟ لا تتمادِي أرجوك حتى لا تصبحين باردة أكثر، قالت: أكون باردة أحسن من أن أكون كاذبة.
(2)
قال الأب لزوجته: لأول مرة أشعر أنني مسئول عن الناس بجد. قالت: اسم الله عليك وعلى حواليك!! فما هذا الذي كنت تزعمه أول كل شهر وأنت تحسب الديون والأقساط وتقرفنا بسخطك وشخطك، قال: أقصد الناس خارج باب شقتنا، قالت: وهل نحن ننقصهم؟ ألا يكفينا ما نحن فيه؟، قال: تصوري أنني حين شعرت بالناس في الأوتوبيس، ودافعت عن البنت التي احتك بها أمين شرطة يلبس جلبابا لم يكشف عن هويته إلا بعد أن صفعته، تصوري أنني أفقت لنفسي، وشعرت أنني أحبك، قالت: تحب من يا رجل!؟ كان زمان وجبر، ما هذا الذي تقوله؟ هل كانت جميلة؟ قال: من؟ قالت: البنت التي احتكت بها الحكومة، قال: حكومة من؟ قالت: حكومة الحزب الوطني، قال: أقول لك إن ما حدث نبهني إلى انسحابي بعيدا عن أي آخر خارج دائرة شقتنا، قالت: "آخر" يعني ماذا؟ قال: يعنى الناس، قالت ناس من؟ قال: ناس البلد، قالت : بلد من؟ قال: بلدنا؟ قالت: بلدنا بأمارة ماذا؟ قال: إذا لم تكن بلدنا، فبلد من هي؟ قالت: بلدهم، قال: بعيدا عن شاربهم، وهم لا يحملون هم البنت، ولا يحملون همنا، ولا يحولون دون وقاحة أمين الشرطة، قالت: الله يكملك بعقلك.
(3)
قالت البنت لأخيها: لولا الكرة أحيانا، حتى لو انهزمنا أربعة صفر، لما شعرت أن لنا شيء اسمه الوطن، أن هناك شيء اسمه مصر، قال أخوها: يبدو ذلك، ما رأيك، هيا نخترع لنا وطنا؟ قالت: ماذا تقول؟ يعني ماذا؟ قال: يعني "نلعب أوطانا" كما كنا نلعب "بيوتا" ونحن أطفال، قالت: لست فاهمة، قل لي كيف، قال: كل واحد يختار له وطن ينتمي إليه، قالت: يعني يتمنى أن يهاجر إليه؟ قال لا، لكن يختار وطنا يشعر أنه يمكن أن يكون جزءا منه، أنه يحمل مسئولية ناسه، وأن ناسه وحكومته يحملون مسئوليته، قالت: حلوة هذه، يبدو أن هذا هو معنى الوطن بجد، قال: هيا، قالت: ابدأ أنت، قال: بل أنت، قالت: أنا أختار إيطاليا، قال: وأنا أختار السويد، قالت: وأنا موريتانيا، قال: وأنا فنزويلا، قال: وأنا أمريكا قالت: وأنا الصين،.....
توقفت البنت منزعجة وقالت: كفى من فضلك، ما هذا الذي نفعله بأنفسنا، لقد تعبت من اللعبة فجأة!
قال: يا خبر!! هذا نفس ما حدث لي، أحسست بإرهاق غامر. ما الذي جرى بالضبط؟
قالت: لماذا لم يختر واحد منا مصر، قال: لست أدرى، لكن هذا طبيعي، فنحن لعبنا اللعبة بعد أن غيبوها عنا، سرقوها منا، قالت: لكن هذا مستحيل، أنا أشعر أن قلبي مصنوع من طينها دون إذن مني، قال: وأنا أشعر أن طميها يسري في عروقي فتدب في الحياة بكل نبضها، قالت: تصور أن أبي حدثني في مثل ذلك، وقال أنه لأول مرة يشعر بمسئولية حقيقية، وبالتالي عرف معنى الحب، قال الشاب: معنى ماذا؟ قالت: الحب
(4)
شبت الأم على أطراف أصابعها وهي تحادثه من بين القضبان المحجوز ورائها، قالت له: الآن فهمت ماذا كنت تعني، أنا أصدقك بجد، أنا أحبك، قال لها: عرفت ذلك، ربنا يخليك، قالت: والأولاد يحبونها، ويحبوننا، عرفوا أخيرا كيف أحبّـها أبوهم فأحبونا، قال: الحمد لله، قولي للبنت أن بلدها تستأهل، قالت: بل هي وأخوها اللذان يقولان لك أنهم فخورون بك وبها، حتى لو كان الثمن حريتك، قال: صدقيني أنا أشعر هنا بحرية أكبر، وأستطيع أن أحبكم أكثر.
قالت: وأنا أحبك أكثر وأكثر.
نشرت في الدستور
2-5-2007
اقرأ أيضا:
تعتعة سياسية: المادة 179، وأحلام الشباب! / تعتعة سياسية....السَّمْهرةُ هي الحل !!! / تعتعة سياسية: أنت معنا أم مع الحكومة؟!!!