قرأت بأسىً مشاركة المهندسة الفاضلة، وتفهمت وجهة نظرها في أن المصريين قد وصل بهم البؤس إلى تخطي مرحلة إجهاد الخضوع، والتي يستخدمها المهندسون لاختبار قوة تحمل الخرسانة المسلحة، وقد شرح لي أحد المرضى هذا الاختبار منذ زمن بعيد، وكان يعمل مهندساً مدنياً، ثم جاءت أختي المهندسة وذكرتني بما شرحه لي منذ زمن بعيد!، ولكن ما جعلني حزينا بالفعل قبل أن أذهب في زيارة عمل وبعيدا عن منزلي، وبالتالي بعيدا عن الإنترنت هو رد أخي الدكتور وائل عليها؛
فالأخت المهندسة تتكلم عن أحوال المصريين على استحياء، ولكن أخي وائل تكلم بصراحة وعلى بلاطة كما يقولون، وكأنني أتذكر موقف سيدنا "العزير" عليه السلام من أورشليم بعد أن هدمها بختنصر ملك بابل، وقتل الرجال وسبى النساء والأطفال ليكونوا له عبيداً ببابل وهذا الكلام كما تقول كتب التاريخ قد حدث قبل ميلاد سيدنا المسيح بحوالي ستة قرون، وقد أمر الله عزيرا أن يذهب إلى القدس، وعندما نظر العزير عليه السلام إلى أشلاء المدينة المهدمة قال في نفسه: "...... أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ...." البقرة 259، وبعد أن أحياه الله من نوم مائة عام وجد أورشليم (القدس) عامرة بأمر الله وقدرته وقدره، وقصة العزير عليه الصلاة والسلام -في سورة البقرة- معروفة في كتب التفاسير لمن أراد تفاصيل أكثر.
وما زاد في ألمي وحزني أن أجد أسامة أنور عكاشة كاتب الدراما القدير -في برنامج العاشرة مساءً- أمس يتحدث عن أن القومية العربية أسطورة صنعها لورانس العرب ليضحك بها على الشريف حسين ملك الحجاز، ويجعله ينتفض ويثور على الخلافة العثمانية،بعد أن أغروه بأن يكون ملكا على كل العرب!، ورغم أنني لست ممن يدعو إلى التحيز لوطن ما أو قومية ما، ولكن أدعو إلى ما دعانا الله إليه ألا وهو أن المسلمين جميعاً بشعوبهم المختلفة وأوطانهم المتناثرة "أمة واحدة"، ومن يعيش معهم على أوطانهم من أقليات هم من أبناء تلك الأمة بشرط احترام حقوق المواطنة العادلة لكل من يعيش بتلك الأوطان بتسامح واحترام لمعتقدات الجميع، وهذا هو ما رأيته على مدار تاريخنا الإسلامي، في مختلف عصور القوة لهذه الأمة الواحدة؛
يقول تعالى "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" (الأنبياء:92)، ولكن كي نحقق مفهوم الأمة الواحدة نتمنى أن نحقق ولو وحدة بين الشعوب العربية أو بين بعضها كدول المغرب العربي، أو دول شمال أفريقيا، أو دول الشام والعراق، أو كما قال شيخ الدراما العربية حتى ولو سوق عربية مشتركة!!، أو قيادة عسكرية واحدة للجيوش العربية، يعني أي حاجة فيها رائحة وحدة مشركة بين شعوب تلك المنطقة والسلام، ولكن ماذا أقول؟! وماذا عسانا أن نقول غير حسبنا الله ونعم الوكيل؟؟؟؟!!!!، ولإيماني الشخصي العميق بأن الوحدة وجمع الشمل هو حق أساسي للشعوب وليس للحكام، أقول:
"فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً "(الشرح:5-6)، أي أن مع العسر يسرين، وأقول: ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج، وأقول:
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر
وأقول: "ما ضاع حق من ورائه مطالب"، ونحن نطالب بأن تتحد الشعوب العربية والإسلامية أسوة بشعوب أوروبا المتشاحنة والمتباغضة والمختلفة تماما في اللغات، وذلك في القرون القليلة الماضية، وكيف تحمل الاتحاد الأوروبي على عاتقه دول أوروبا الشرقية الفقيرة الضائعة؛ لتصبح أوروبا قوة استراتيجية ناهضة في مواجهة الولايات المتحدة والصين والهند ومن قبل الاتحاد السوفيتي!!.
والجزء القادم من مدونتي هو من كتاب تأكيد الذات، الفصل العاشر:
والعبد لله متفائل بالمستقبل رغم قتامة الواقع، ولكن لن ينصلح مستقبلنا إلا إذا بدأنا في الاعتراف بعيوبنا، ونقاط ضعفنا، وانتقدنا تلك العيوب في أنفسنا وبصراحة وبوضوح تام، وبقسوة أحيانا، وذلك ليس من باب اليأس والضياع أو جلد الذات كما يقول البعض، ولكن من باب الرغبة الحقيقية الصادقة في تغيير واقعنا؛ وبالتالي نستطيع أن نُعدِّل من أحوالنا في المستقبل إلى الأفضل. ومن المعروف في الطب أن التشخيص الصحيح لأي مرض يمثل أكثر من ستين بالمائة من العلاج، ونحن كأمة واحدة بحاجة إلى تشخيص صحيح لأمراض أمتنا قبل أن نتماثل للشفاء من تلك الأمراض!.
أما التغيير للأفضل فهو قادم –بإذن الله- لا محالة، وإن كنا نرغب في سرعة هذا التغيير؛ وذلك حتى نستطيع أن ندافع عن بلادنا وشعوبنا، وليرى جيلنا الحالي أو على الأقل أبنائنا وأحفادنا عزا وكرامة لم يراهما جيلنا الحالي إلا لمُاماً في سنوات عيشه العصيبة؛ فيكون لأبناء أمتنا كرامة وإرادة عند اتخاذهم لقراراتهم المصيرية.
وهذه النهضة المنتظرة واقع سيحدث لا شك فيه، قد تكون في كل بلدان العالم الإسلامي المترامي الأطراف أو في بعضها، قد تكون في بعض بلادنا العربية وهذا ما نتمناه ونرجوه، وقد تكون بداية تلك النهضة في شبه القارة الهندية!، أو قد تكون في دول جنوب شرق آسيا!، أو قد تكون في بلدان ستعتنق شعوبها الإسلام بأعداد أكبر في المستقبل القريب؛ ومن ثم تزداد تلك الشعوب قوة بهذا الدين كما قوي به أسلافنا، وذلك لأن الفاحص لتاريخ هذا الدين عبر أربعة عشر قرنا من الزمان يلاحظ أنه ما من شعب تمسك به وبروح أحكامه العملية السماوية إلا وانتصر وساد وقاد؛ تمسك به الصحابة والتابعين ففتحوا بعقيدتهم الراسخة معظم بلدان المشرق ووصلوا حتى أسبانيا والبرتغال في المغرب، وتمسك بهذا الدين الأتراك فقادوا وسادوا قرونا عديدة، وتمسك به نور الدين محمود ومن بعده صلاح الدين الأيوبي الكردي فهزم الصليبيين واسترد منهم بيت المقدس، وتمسك به أهل مصر وحكامهم من المماليك فهزموا التتار هزيمة منكرة في عين جالوت.
وحتى أحفاد -السَّفَّاحين جنكيز خان وهولاكو- حينما أسلموا خضعت لهم شبه القارة الهندية، وعملوا على نشر الإسلام دينهم الجديد، الذي اعتنقوه بعد احتكاكهم بالمسلمين في البلدان الإسلامية التي غزوها، وبعد أن كانوا من المُدمِّرين للحضارات الإنسانية أصبحوا من بناة الحضارة!، والدليل على ذلك ما خلفوه من أبنية ومساجد وأضرحة موجودة حتى الآن، ويكفي منها ضريح تاج محل بالهند، والذي بناه شاه جيهان (من أحفاد جنكيز خان) تخليدا لذكرى زوجته المتوفاة ممتاز محل، والذي يُعتبَر من عجائب الدنيا السبع.
وكذلك ما قام به العثمانيون على يد الشاب الدَِّين الطموح السلطان محمد الفاتح والذي حقق نصف النبوءة في الحديث النبوي الصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص ففتح المدينة الحصينة المنيعة "القسطنطينية"، وأحيت دولتهم العثمانية الخلافة الإسلامية لمدة أربعة قرون، ونشروا الإسلام في دول البلقان، وطرقت جيوشهم أبواب النمسا. أما نصف النبوءة الثاني والذي لم يتحقق بعد فهو فتح روما، وما ينطق صلى الله عليه وسلم عن الهوى، وهذا الحديث يعطينا الأمل، ويزيد من تفاؤلنا في مستقبل مشرق لأبناء الأمة الإسلامية.
ونص هذا الحديث و إسناده هو: روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي قَََبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص وسُئل: أيُّ المدينتين تُفتح أولا: القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق حَلََق، قال: فأخرج منه كتابا، قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتُب، إذ سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُ المدينتين تُفتح أوَّلاً: قسطنطينية أو رومية؟ فقال "مدينة هِرَقل تُفتح أوًّلاً!" (يقصد النبي -صلى الله عليه وسلم- مدينة القسطنطينية، والتي كانت عاصمة هرقل الروم إلى أن فتحها محمد الفاتح وسُميت إسطنبول بعد ذلك). وهذا الحديث رقم 6645 بمسند الإمام أحمد، وقال الشيخ شاكر: إسناده صحيح، وأورده الهيثمي في المجمع 6/219، وذكره الألباني في سلسلته الصحيحة برقم 4.
وقد يكون هذا الفتح عسكريا كما كان فتح القسطنطينية في عام 1453 م!، أو قد يكون هذا الفتح بانتشار الإسلام في أوروبا والغرب!، وذلك كما كان صلح الحديبية فتحا على المسلمين، لأن قبائل جزيرة العرب دخلت في دين الله أفواجا بعد صلح النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية مع قريش في العام السادس من الهجرة النبوية الشريفة؛ ولكل ذلك أقول لأخي وصديقي وائل أبو هندي ولشيخ الدراما العربية أسامة أنور عكاشة وغيرهم ممن يراودهم اليأس أحيانا من مستقبلنا ومستقبل أمتنا: "... وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ...."(آل عمران:140)، صدق الله العظيم.
وأنهي مقالي كما بدأته قائلاً: "أبداً لن نفقد الأمل".
ويتبع >>>>: أبدا لن نفقد الأمل: دوما سنخلص العمل
واقرأ أيضاً:
سيد الرجالة مشاركة / أجمل وأذكى عزاء