قررت مجموعة من الكلاب أن تحكم العالم وأن تحوله كله إلى مجتمعات ودول من الكلاب بعد أن فشل الإنسان في إقامة العدل، ونشر السلام والفضائل، وترسيخ القيم والحفاظ عليها وحب الخير وتأصيله في النفوس، وتحقيق التقدم العلمي بكافة ميادين الحياة لخير الإنسانية ورفاهيتها.
ذلك الفشل الذريع الذي جلبه الإنسان على بني جنسه من البشر شمل كل المناحي.. اجتماعية كانت أم اقتصادية أم سياسية أم ثقافية، أم أخلاقية، أم علمية، وكان لابد من بديل يستطيع أن يجبر هذا العجز ويلم الفشل ويلقي به بعيداً ليحقق الإنجازات ولكن وفق هويته ونسقه الحياتي ومنظومته الفكرية والأهم من ذلك وفق شروطه وإملاءاته!
ولكن كيف يمكن غزو العالم وفرض السيادة "الكلبية"؟؟ وإنجاز المشروع الكلابي النبيل الكبير؟!
وهنا تلمع في "رأس" الكلب الأكبر الفكرة، فكما انتشرت "أنفلونزا الطيور" سينتشر نوع جديد من الأنفلونزا، إنها "أنفلونزا الكلاب" وما على الكلاب سوى التجهز وتجميع بعضهم ثم البدء بمهاجمة التجمهات السكنية وعض من فيها من الناس، وبذا يصابون بأنفلونزا الكلاب ويتحولون إلى كلاب فيسهل قيادهم وتبعيتهم في مجتمع محلي ودولي يرأسه "الكلاب" وعملاؤهم المعتمدين!
فكرة في مسرحية أم مسرحية في فكرة؟
كانت هذه هي فكرة المسرحية المبدعة التي دعيت لمشاهدتها بصفتي "أم" في حفل ختام العام الدراسي بمدرسة أبنائي منذ أيام.
ولا أخفيكم سراً أنني عندما قرأت عنوان المسرحية في بطاقة الدعوة، قلت في نفسي "أكيد مسرحية كلها تهريج وتفاهة عيال إعدادي وثانوي.. ربنا يصبرني مضطرة أشوفها لحد ما تيجي الفقرة الرياضية التي يشارك بها ابني فهي تليها في ترتيب العرض.
لكنني دهشت عندما وجدت نفسي أمام مسرحية مدرسية حوت فكرة عميقة، أداها الهواة من طلبة المرحلتين الإعدادية والثانوية ببراعة المحترفين، أما الجمال الذي يضاف للبراعة فقد كان "هضم" الفكرة لديهم الذي بدا واضحاً من خلال تعبيراتهم اللفظية والجسدية ونبرات أصواتهم ولمحاتهم وإيماءاتهم.
مجموعة من البنات والبنين رغم حداثة العمر بدوا كباراً يعانون ويقاومون أو يتجهزون للمعاناة والمقاومة في رحلة بحث تبدو بالغة الطول عن حلول.
إسقاطات اجتماعية وسياسية واقتصادية لم أكن أتوقع أن يؤديها هؤلاء الصغار -كما نعتقدهم- بهذا الفهم والإتقان.. زنا المحارم، التفكك الأسري، الزواج العرفي والسري، الإهمال الأسري وضياع الأبناء، الإستهانة بالأخلاق والأعراض، الخيانة بكل أطيافها زوجية وسياسية للوطن واجتماعية بين الأصدقاء والأقارب، الميوعة والخنوثة والعري، البطالة، الإدمان، الرشوة، الفساد، الاختلاس، الحروب، الاعتداء على المقدسات.
ذلك كله وغيره وسط مواقف كوميدية مضحكة وأخرى تراجيدية حزينة مبكية، مع شعور يتسلل إليك وكأنهم يقولون لكل المتفرجين "نحن لا نمثل، إنها ليست مسرحية.. إنها العالم والحياة التي جئنا إليها ونعيشها"!
آآآآآآآآآآه يا أبنائي لقد أتيتم في الزمن الصعب، ترى من يحمل لكم الخلاص، هل تحملونه لنا ولأنفسكم ولمن يأتي بعدكم أم لازال في حقيبة الأيام ما هو أكثر وأفظع مخبأ لنا جميعاً؟!
ترى من هو المسكين نحن أم هذا الجيل من أبنائنا؟ هكذا كنت أتساءل بيني وبين نفسي، أفتش عن إجابة هادئة مقنعة وسط هذه التحديات التي يسبح فيها الصغار.
وكأنني في رحلة عبر آلة الزمن.. هكذا كنت أشعر وأنا غارقة في وجوه البنات والبنين من أبنائنا الفنانين هؤلاء، ولا أدرى أين خشبة المسرح.. هل هي مقعدي أنا ومن حولي من أولياء أمور -ثلاثة أربعاهم من الأمهات- أم هي تلك التي يقفون عليها؟! ومن الذي يؤدي مشاهد تمثيلية نحن أم هم أم الجميع؟!
منذ عشرين عاماً كنت مثلهم في العمر نفسه، ولكن الزمان والمكان والأفكار والمشاعر تغيرت كثيرا ولطفرات وقفزات! لم تكن هكذا مسرحياتنا، ولا تعابير وجوهنا، ولا أفكار عقولنا.. هذا فضلاً عن واقعنا ومستقبلنا وما ينتظرنا.
ولم أفق من استغراقي في الأفكار إلا على نهاية المسرحية في لقطة أشبه بالسينمائية أعقبها تصفيق حاد لمدة دقيقة ونصف من كل السيدات الأمهات الحضور تقول فيها البطلة "بنوتة في الخامسة عشرة من العمر" لأخرى من شخصيات المسرحية "شفتي الراجل الكلب -نسبة إلى مجتمع الكلاب– بيقول إيه؟ فردت عليها: "أي راجل فيهم؟! أصل الرجالة الكلاب كتير أوى اليومين دول".. ولا تعليق!
ملحوظة: مؤلف المسرحية ومخرجها.."أستاذ" أي رجل وليس امرأة والحمد لله.
20/05/2007
ويتبع >>>>: أنفلونزا الكلاب في المعادى!
اقرأ أيضاً:
أمي.. حضني! / سيد الرجالة كمان وكمان / رجل في حياتي