في لحظة تنوير ساعدني صديقي "هانتر" ذلك الحكيم الآتي من الصين في اكتشاف فلسفة ما وراء هذا السيمنار أو الهدف من الجمع بين مجموعة متنافرة (مختلفة) ليس عرقيا ودينيا فحسب بل وعلى المستوى المهني والعمري وفوق ذلك من العالم الثالث بالتحديد، ذلك المكان المليء بالصراعات، حيث لا تنتشر فيه ثقافة قبول الآخر. (بل ولا حتى ثقافة قبول النفس).. وعلى الرغم من التسليم بفرضية أننا صحفيون مميزون ولهذا تم اختيارنا..(على الأقل غرورنا يسمح لنا بذلك التصور).خصوصا مع معايير إختيار بدت لنا غير مفهومة وربما غامضة. هل كان مطلوبا مثلا أن نكون على هذا القدر من التباين والاختلاف في الدول والثقافات. ربما تكون استنتاجاتي خاطئة ولكني هكذا أرى الأمور.. حسنا لنكمل.
بدأ السيمنار بشكل شديد الديمقراطية حيث وضعنا بأنفسنا قواعده واتفقنا بمحض إرادتنا على الشفافية والمواجهة واحترام الآخر. وقبلتم فكرة أن تلك هي قناعاتنا أو بمعنى آخر أخذتمونا على قدر عقولنا. وأنتم تعلمون من خبراتكم السابقة أننا غير ممارسين للديمقراطية، ربما نحن مقهورن ونحارب الظلم ببلادنا، لكننا لم نختبر بحق أنفسنا على الإطلاق في تجربة ديمقراطية حقيقية واحدة. لذا كانت الحقيقة الواضحة من وجهة نظري هي الفشل المطلق عند الممارسة.. فظهر الطامعون في السلطة والسيطرة كما تبدت الأغلبية الصامتة... المهم، في لحظة خلاف بين أحد أفراد المجموعة الذي كان يسعى لفرض هيمنته والحصول على لقب القائد.. يقهر الآخرين بالتهكم والانتقاد الدائم ثم يبادر بتنسيق الأمور وترتيبها وبعدها يعلن تذمره من ثقل المسئولية الملقاة على عاتقه، ربما كي يجني توسلاتنا في البقاء بالحكم نحن الشعب الكسول المتراخي.
فبدأت تتضح معالم الديكتاتور الصغير الآخذ في التنامي الذي ربما جاءت تصرفاته معبرة عن عدم النضج إضافة للتنشئة والبيئة المحيطة القاهرة التي خلقت تمردا لم يوظف جيدا، تحول إلى رغبة في اجتياح الآخر... وتحتدم المنافسة مع وجود الآخر الذي يريد أن يحمي الجميع ويهتم بشئونهم، حتى وإن لم يطلبوا منه ذلك، ثم يحاسبهم إذا لم ينفذرا ما يراه صوابا. وكأن من قوانين الطبيعة أن لا صواب إلا فيما يراه صوابا.. فتبدي النموذج الذكوري كما تصفه الدراسات وقد نجح في تنفيذه بشكل عبقري مستخدما كل خواص العقلية الذكورية ومساوئ التنافسية الأنثوية على الذكر...
والأغلبية صامتة.. رغم أن قوانين اللعبة المتفق عليها مسبقا، تقتضي عدم دفن الخلافات ومراكمتها إذا أساء إليك الآخر عن قصد أو عن غير قصد. ولكن ما حدث بالفعل كان مغايرا، فقد ساد سلوك التغاضي وعدم المواجهة أثرا للسلامة وعدم تضخيم الأمور أو بدعوي عدم اختلاق الأزمات أو عن قناعة بعدم القدرة على التغيير والتسليم بأن تلك هي شخصيته أو مستخدمين تبريرات ذاتية وشخصية بأنه يكرهك أنت بالذات وبالتالي اللجوء إلى الحيل الدفاعية مثل: أنك الأفضل أو الأذكى أو الأكثر تميزا أو الأكثر جاذبية. أو بممارسة سلوك العبيد والمشي وراء القائد لاغتنام بعض المكاسب الصغيرة، الهامشية وتكون في جانب المنتصر.
وهكذا تكتمل الصورة، لكي يترعرع الديكتاتور لابد من مروجين وتابعين وكذلك أغلبية صامتة ثم متنافسين لكي تنفجر القنبلة الانشطارية. وتلك هي النهاية الطبيعية للكبت والنفي والإقصاء.. وبعد لحظة الانفجار دار بيني وبين "هانتر" حوار ظننته عابرا لكنه هو ما فجر داخلي كل هذه الأفكار. عندما قلت له وأنا محبطة "لماذا لا يدرك البعض أن كلا منا له ما يحبه فنحن مجموعة غير متجانسة. فأنت مثلا تحب التصوير فتتأخر عن المجموعة فتأتي الصيحات المتأذية. وأنا كثيرة التأمل وبالتالي بطيئة الحركة فأعوق مسيرة التقدم. وهو يريد فعل شيء، البعض لا يقبله (لن أذكره) فيأتي تعليق من المسيطر الجارح فيحدث الانفجار" فيرد علي "هانتر" "ربما هم بحاجة إلى ذلك" لتنفجر في تلك اللحظة الحقيقة وتتبدي أمام عيني.
شكرا لك يا صديقي "هانتر"... ربما علينا أن نؤمن أولا بأننا مختلفون وإذا فهمنا ذلك سنتخذ المساحة والمسافة فيما بيننا وعندها لن نسعى للاندماج الكلي غير المبرر. لأن المختلفين لا يمكنهم أن يتعايشوا متصافين إلا إذا تركوا مساحة للممارسات المنفصلة.. لكننا فعليا وواقعيا لم نمارس الديمقراطية ولم نختبرها.لم نعرف كيف نحترم الحدود وعدم اجتياح الآخر. كما لم نتعلم احترام القواعد والقوانين حيث إنني شخصيا وبإغواء من القائد أدخن بحجرتي رغم أني أعرف أن ذلك ممنوع... إذن ماذا ستفعلون لنا يا أهل فويو... لا أعتقد أن أحدا يمكنه أن يفعل شيئا لأحد فيما يخص الديمقراطية... فقط يشعل له شمعة قد تنير بصيرته... فشكرا.
اقرأ أيضاً:
انطباعات أولية من السويد/ العودة إلى الوطن