"ماما.. الحفلة بتاعت المدرسة بعد بكره إيدك على خمسة وعشرين جنيه علشان تحضري وتتفرجي عليا!"
ده المحروس ضنايا أما أنا فـ"ماما" وطبعاً لابد أن ننهي العام الدراسي السعيد الحافل بالدفع والغرامات كما بدأناه "إدفع وإلا" فهذا هو شعار المدارس الخاصة في المحروسة واللغات في المهروسة.. ما علينا.. دفعت يا سادة وفي تمام السادسة مساء كنت في مسرح المدرسة للفرجة على الصغار.
وزعوا على أولياء الأمور أوراق بها برنامج الحفل ومن بين العروض الموسيقية والرياضية وفقرات الإلقاء والإنشاد لفت نظري عبارة "أنفلونزا الكلاب" مسرحية الحفل!
ولا أخفيكم سراً أنني عندما قرأت عنوان المسرحية قلت في نفسي "أكيد مسرحية كلها تهريج وهبل واسخفاف دم وتفاهة عيال إعدادي وثانوي.. ربنا يصبرني مضطرة أشوفها لحد ما تيجي الفقرة الرياضية التي يشارك بها ابني فهي تليها في ترتيب العرض".
وحان موعد الأنفلونزا.. أقصد المسرحية.. وبدأت أندهش والحقيقة انكسفت من نفسي عندما وجدت نفسي أمام مسرحية مدرسية حوت فكرة عميقة, أداها الهواة من طلبة المرحلتين الإعدادية والثانوية ببراعة المحترفين, أما الجمال الذي يضاف للبراعة فقد كان "هضم" الفكرة لديهم الذي بدا واضحاً من خلال تعبيراتهم اللفظية والجسدية ونبرات أصواتهم ولمحاتهم وإيماءاتهم. مجموعة من البنات والبنين رغم حداثة العمر بدوا كباراً يعانون ويقاومون أو يتجهزون للمعاناة والمقاومة في رحلة بحث تبدو بالغة الطول عن حلول.
الفكرة الجنان للمسرحية تتخيل مجموعة من الكلاب قررت أن تحكم العالم وأن تحوله كله إلى مجتمعات ودول من الكلاب بعد أن فشل الإنسان في إقامة العدل, ونشر السلام والفضائل, وترسيخ القيم والحفاظ عليها وحب الخير وتأصيله في النفوس, وتحقيق التقدم العلمي بكافة ميادين الحياة لخير الإنسانية ورفاهيتها.
ذلك الفشل الذريع الذي جلبه الإنسان على بني جنسه من البشر شمل كل المناحي.. اجتماعية كانت أم اقتصادية أم سياسية أم ثقافية, أم أخلاقية, أم علمية, وكان لابد من بديل يستطيع أن يجبر هذا العجز ويلم الفشل ويلق به بعيداً ليحقق الإنجازات ولكن وفق هويته ونسقه الحياتي ومنظومته الفكرية والأهم من ذلك وفق شروطه وإملاءاته!
ولكن كيف يمكن غزو العالم وفرض السيادة "الكلبية"؟؟ وانجاز المشروع الكلابي النبيل الكبير؟!
وهنا تلمع في "رأس" الكلب الأكبر الفكرة,فكما انتشرت "أنفلونزا الطيور" سينتشر نوع جديد من الأنفلونزا, إنها "أنفلونزا الكلاب" وما على الكلاب سوى التجهز وتجميع بعضهم ثم البدء بمهاجمة التجمعات السكنية وعض من فيها من الناس, وبذلك يصابون بأنفلونزا الكلاب ويتحولون إلى كلاب فيسهل قيادهم وتبعيتهم في مجتمع محلي ودولي يرأسه "الكلاب" وعملاؤهم المعتمدين!
إسقاطات اجتماعية وسياسية واقتصادية لم أكن أتوقع أن يؤديها هؤلاء الصغار -كما نعتقدهم- بهذا الفهم والإتقان.. التفكك والإهمال الأسري, الزواج العرفي والسري, الاستهانة بالأخلاق والأعراض الخيانة بكل أطيافها زوجية وسياسية للوطن واجتماعية بين الأصدقاء والأقارب, العري, البطالة, الإدمان, الرشوة, الفساد, الاختلاس, الحروب, الاعتداء على المقدسات.
ذلك كله وغيره وسط مواقف كوميدية مضحكة وأخرى تراجيدية حزينة مبكية, مع شعور يتسلل إليك وكأنهم يقولون لكل المتفرجين "نحن لا نمثل, إنها ليست مسرحية.. إنها العالم والحياة التي جئنا إليها ونعيشها"!
ترى من هو المسكين نحن أم هذا الجيل من أبنائنا؟ هكذا كنت أتساءل بيني وبين نفسي, أفتش عن إجابة هادئة مقنعة وسط هذه التحديات التي يسبح فيها الصغار .
وكأنني في رحلة عبر آلة الزمن.. هكذا كنت أشعر وأنا غارقة في وجوه البنات والبنين من أبنائنا الفنانين هؤلاء, ولا أدري أين خشبة المسرح.. هل هي مقعدي أنا ومن حولي من أولياء أمور -ثلاثة أربعاهم من الأمهات- أم هي تلك التي يقفون عليها؟! ومن الذي يؤدي مشاهد تمثيلية نحن أم هم أم الجميع؟!
ولم أفق من استغراقي في الأفكار إلا على نهاية المسرحية في لقطة أشبه بالسينمائية أعقبها تصفيق حاد لمدة دقيقة ونصف من كل السيدات الأمهات الحضور وتكشيرة محترمة جداً, وصمت احتجاجي من السادة أولياء الأمور من الرجال تقول فيها البطلة "بنوتة في الخامسة عشرة من العمر" لأخرى من شخصيات المسرحية "شفتي الراجل الكلب -نسبة إلى مجتمع الكلاب– بيقول إيه؟ فردت عليها: "أي راجل فيهم؟! أصل الرجالة الكلاب كتير أوي اليومين دول".
طبعاً.. لا تعليق!
المهم دفعني فضولي كصحافية وأم متفاعلة, أن أسأل عن مؤلف المسرحية ففوجئت أنه أستاذ "رجل " مستر يعنى مش "ميس"!
ولا تعليق.. مرة أخرى!
اقرأ أيضاً:
سيد الرجالة كمان وكمان / دكتوراه عاشقة الورد!