بعد أن ألقيت محاضرة كنت قد أحسنت إعدادها في أحد منتديات الشباب قابلني أحد من ساعدتهم في أطروحاتهم الأكاديمية مثنياً على المحاضرة.
مستمع آخر من الحاضرين ممن اضطروا إلى المغادرة أرسل على هاتفي رسالة جميلة بكلمات معطرة بالثناء والمديح الرقيق حيث رددت عليه (أشكرك على كلامك الجميل والمجامل)، ويبدو أن ردي لم يعجب الابن العزيز فرد رداً مجافياً: كيف تصف رأيي في محاضرتك أنه مجرد مجاملة؟
وما درى أن الأمر كله قمة المجاملة التي ينكرها إذ أن كلامه نابع من إيمانه العميق بكل الصدق والصراحة أن محاضرتي من درر الأدب العربي وقمة التعمق في التحليل النفسي _كما يقول_ وقابلني بعدها بوجه غضوب وسلام فاتر وقال إنه غاضب مني لوصف ثنائه على المحاضرة بالمجاملة وهو لا يجامل ويكره المجاملة ومن يجاملون. وقد دعاني ذلك الموقف إلى كتابة هدا الموضوع الذي يحتاج إلى آرائكم ومناقشاتكم.
في أحد أعمدة (فكرة) للكاتب الكبير مصطفى أمين _رحمه الله_ إن مهندساً اخترع جهازاً لكشف الكذب _ضع نقطة على الدال لخلل في الكيبورد وشكراً_.
وضع الأستاذ الجهاز على مكتبه وطلب من المخترع أن يعود في الغد، وجد الأستاذ الجهاز الصغير يصدر صفيرا عندما يسمع كذبا.. دخل رئيس التحرير وقال كلاما عن مقال الأستاذ الأخير (بيب بيب) وبعده دخل المسئول الكبير في الحكومة لعمل حملة إعلانية عن إنجازات وزارته (بيب بيب) ثم دخلت المحررة الجميلة وكلما تحدثت عن إنجازات الأستاذ وشقيقه (بيب بيب) وأكدا في كل مقابلات الأستاذ طيلة اليوم.
في اليوم التالي طلب الأستاذ من المخترع أن يأخذ جهازه الذي قلب دنياه من الوردي إلى الأزرق ومن البمبي إلى الأسود.
القرآن الكريم يقول لنا: (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى).
الرسول الكريم يعلمنا أن الكلمة الطيبة صدقة وتبسمك في وجه أخيك صدقة والكلمة الطيبة والبسمة الحانية من المجاملات.
في الأمثال الشعبية: (أحب الهدية ولو كنت غنية) والقول المأثور (تهادوا تحابوا) والهدايا مجاملات.
وما لنا نذهب بعيداً أليست المجاملات المادية التي تقدم في المناسبات السعيدة وتبادلها هي التي تعين في نفقات الأفراح؟؟.
إذن المجاملات أنواع ودرجات: منها المجاملة الجميلة الطيبة ،والمجاملة الودود الطاهرة. والمجاملة الدافئة والمساعدة، وكل هذه الأنواع الطيبة تتبدى في الكلمات الرقيقة والمواقف النبيلة والمساعدات المتجردة إلا من حب الخير.
كما أن هناك أنواع من المجاملات الغموس أعاذنا الله منها، وهي التي يضمر مقدمها إيقاع الضرر أكثر من النفع فالمبالغة في ذكر محاسن شيء بالغ السوء يضر ولا ينفع, ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، فإذا أعدت زوجتك أكلة يخنى عجب وطلبت رأيك فكان المديح نفاقاً كان جزاؤك أكلها كل يوم. لذا قيل: المجاملة لذيذة الطعم بشرط ألا تبتلعها.
واقرأ أيضاً:
تصدير المشكلات / الفراسة