سأتحدث عن علم ابتدعه العرب قديماً وله ارتباط وثيق بعلم النفس والتحليل النفسي. ورد في القرآن الكريم: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ (الحجر:75)) وقيل إنها في أهل الفراسة، وهي نور يلقيه الله في قلب عبده المؤمن، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله).
وفى قصص الأولين العديد من المواقف ما يؤيد قول الرسول الكريم: (إن لله عباداً يعرفون الناس بالتوسم) منها أن حاكماً أتاه من يشكو سرقة متاع له ، فأتى بالمشتبه فيهم وأخبرهم أن حماره سيدله على السارق، وأدخل الحمار خيمة وطلب من كل منهم أن يمسك ذيل الحمار فلما انتهوا أمسك بأحدهم وقال له أنت من أخذ متاع الرجل. فكيف عرف؟ كان قد دهن ذيل الحمار بطيب، ولم يكن أثر هدا الطيب في يد الرجل دون الباقين مما دله على أنه السارق، أو الذي أتى إلي يشكو جاره الذي أنكر وديعة لجاره، فاستدعاه وقال لصاحب الوديعة ادخل معه وقال له إني أريد أن أوليك على المدينة، وقال صاحب الوديعة إن لي عنده وديعة، قال نعم إنها عندي فلما ردها طلب من الحاكم أن يوليه على المدينة فقال له يا رجل إنك لم ترد وديعة الرجل إلا بعد أن ملكناك المدينة فكيف نأتمنك على ودائع الناس؟ وغير ذلك كثير.
الفراسة إذن هي الملاحظة ودقة النظر والحيلة والتبصر والحكم على الناس وسبر أغوارهم من التفرس في هيئاتهم ووجوههم وحركاتهم حيث قال أبو حامد الغزالي في إحياء علوم الدين: إن المنظر والمخبر كثيراً ما يتلازمان، فكل ما يتجلى من الإنسان من حالات جسدية وعقلية ونفسية هو تجل لأعماقه.
والمحلل النفسي أو الطبيب النفسي، وكذا المحقق الشرطي أو وكيل النيابة أو الباحث في علوم الإجرام أول ما يبدأ عمله هو النظر إلى الشخص متفرساً بهدوء ودون لفت نظر المفحوص وينظر إلى وجهه وهيئته وحركاته ويديه ونظراته بل وملابسه وهندامه فكلها تنقل إليه الانطباع الأول عن الشخص وإن كان بعض الأشخاص من الحيلة والذكاء بحيث يضللون الباحث قليل الخبرة كذلك الذي يذهب لمأمور الضرائب بثياب رثة ومظهر فقير، أو الذي يبدو أما م المحقق في ثوب الحمل الوديع وكلها أمور لا تغيب عن فراسة المحلل النفسي القدير أو الضابط المتمرس أو مأمور الضرائب والجمارك المتفرس.
يقول علماء الفراسة ومنهم العالم النفسي يونج إنك تستطيع الحكم على الشخص من شكل الوجه فهناك الوجه المربع الحديدي الذي يدل على شخصية قوية مصرة، والوجه الرفيع بخديه الغائرين وعينيه الحادتين مما يدل على رهافة الحس والإصرار والمثالية والثقة بالنفس والوجه البيضاوي الذي يمتاز بالجمال والجدية والتسامح وإن كان يفضل العزلة وصداقته القليلة، والوجه المثلث وهو عقلاني حاد الدهن وناقد جيد ومتحمس للعمل والوجه المستدير القمري الجميل السمين المتأقلم المنبسط الناجح في أعماله وهكذا وهكذا.
وللفراسة كتب ومراجع عديدة منها (السياسة في علم الفراسة) لشمس الدين الأنصاري من منشورات المكتبة الأزهرية، والفراسة لفخر الدين الرازي، ونشر في سلسلة عالم الكتب وغيرهما كثير مما يشرح فراسة الحركة أي من الوقفة والمشية والجلسة ووضع اليد في الجيوب وحركة العينين والتنصت والابتسام والدموع وألوان الملابس وتصفيف الشعر ولونه واللحية والشارب وغيرها من المظاهر الدالة التي لا تغيب عن فطنة الفاحص أو الباحث أو المتفرس مصداقاً لقول الرسول الكريم (المؤمن كيّس فطن).
واقرأ أيضاً:
المجاملة / استيراد المشكلات